الشكل الجديد للشرق الأوسط

الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني – (أرشيفية)
الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني – (أرشيفية)

جورج فريدمان (جيوبوليتيكال فيوتشرز) 7/4/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اتخذت منطقة الشرق الأوسط شكلا وبنية مختلفين في السنوات الأخيرة. وما من مكان يظهر فيه ذلك أكثر وضوحا مما فعل في ذلك الاجتماع الذي عقد يوم 4 نيسان (أبريل) في تركيا بين روسيا وإيران وتركيا. وقد أصبحت هذه المجموعة حاسمة في تعريف الشرق الأوسط. وهي ليست بالضرورة مجموعة متماسكة متناسقة، كما أن قوتها الباقية تبقى غير يقينية أيضا. لكن الوقت الراهن يشهد انتقال الولايات المتحدة -التي كانت في السابق هي القوة التي تعرف المنطقة- إلى الهوامش، بينما يظهر في المنطقة معمار جديد.اضافة اعلان
اختيار الجوانب
تأصل هذا التغيير الذي تشهده المنطقة في حدَثين: هزيمة "داعش" في العراق، والربيع العربي. وقد هُزم "داعش" على يد القوات الأميركية والميليشيات العراقية غير النظامية. وتلقت الميليشيات العراقية الدعم من إيران، وفي كثير من الحالات كان يقودها الإيرانيون الذين هم شيعة أيضا. وعندما تحطمت "الدولة الإسلامية"، نال الإيرانيون دورا مهيمنا في صياغة السياسة العراقية الخارجية.
كان الحدَث الثاني هو الربيع العربي الذي تسبب في إشعال جذوة الانتفاضة في سورية التي تحدت فيها الأغلبية السنية من المواطنين النظام العلوي الحاكم في دمشق. وأدى ذلك إلى اندلاع حرب أهلية وحشية، تحارب فيها مجموعة من الفصائل السنية –من "داعش" إلى القاعدة- وفصائل أخرى يدعمها الغرب بعضها البعض، وتحارب النظام. وقد اجتذبت هذه الحرب إلى البلد القوات الروسية والإيرانية التي تدعم العلويين، والقوات الأميركية التي تحاول تشكيل تحالف معتدل فعال في سورية. كما أن الأتراك، المعادين للعلويين، كانوا ينتظرون الفرصة لفعل شيء بدورهم.
على الرغم من أنه ليس لديها مصلحة كبيرة في سورية، تدخلت روسيا لإظهار أنها تستطيع أن تمارس القوة العسكرية وتقوم بتشكيل الأحداث أبعد من مجرد جوارها القريب. ومن ناحية أخرى، كان الإيرانيون متحالفين منذ وقت طويل مع النظام العلوي في دمشق، وكان لهم وجود كبير في لبنان من خلال وكيلهم، حزب الله، الذي قاتل هو الآخر دفاعا عن نظام الأسد. وأدى تدخل موسكو إلى خلق مصلحة مشتركة بين روسيا وإيران.
من ناحية أخرى، أخذ الأتراك، وهم من المسلمين السنة، موقفا مناقضا ووقفوا ضد نظام الأسد. وكانت الحكومة التركية تصبح أكثر إسلامية باطراد منذ نجاتها من محاولة انقلابية في العام 2016، ولذلك انحازت بشكل طبيعي إلى المقاومة السنية، لكن من المهم بنفس المقدار أنها تنظر إلى إيران كمنافس في المنطقة. كما يحتوي التاريخ التركي أيضا على العديد من الصراعات مع روسيا. وخلال الحرب الباردة، كان الأتراك متحالفين بشكل وثيق مع الولايات المتحدة ضد السوفيات. وأصبحت العلاقات مع روسيا متوترة بشكل خاص بعد أن أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية قالت إنها انتهكت مجالها الجوي. ثم تم استدراج الأتراك في نهاية المطاف إلى داخل سورية بسبب صراعهم طويل الأمد مع الأكراد، الذين تنظر أنقرة إلى حركتهم من أجل الاستقلال على أنها تشكل تهديدا للسلامة الإقليمية لتركيا.
كان ينبغي أن يجعل ذلك من الولايات المتحدة وتركيا حليفتين؛ فقد أرادتا كلتاهما خروج الأسد من السلطة، واعتبرتا كلاهما روسيا وإيران خصومهما. لكن الولايات المتحدة كانت بصدد إجراء تحوُّل درامي في استراتيجيتها. فخلال وبعد حقبة الحرب الباردة، قامت الاستراتيجية الأميركية على استخدام الوسائل الاقتصادية والسياسية لتشكيل العالم، وفي حال فشل ذلك، تعمد إلى استخدام القوة العسكرية المباشرة. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأفول القوة البريطانية في المنطقة، أصبحت الولايات المتحدة تشكل حضورا حاسما في تعريف الشرق الأوسط، مع تدخل عسكري من حين إلى آخر. وبعد هجمات 11/9، تحول التدخل العسكري المتقطع إلى دائم، وعلى مدى العقد ونصف العقد التي تلت ذلك، نفذت الولايات المتحدة عمليات عسكرية كثيفة في المنطقة. ولم يكن هذا النشاط العسكري المتواصل قابلا للدفاع عنه على أساس الشرعية العالمية. وحتى تكون الأمور أسوأ، كان نشاطها العسكري في الشرق الأوسط غير فعال. وقد امتدت الحرب في العراق طويلا من دون وجود هدف استراتيجي واضح وقابل للتحقيق.
وبشكل حتمي، انخرطت الولايات المتحدة في العمل الشاق المتمثل في توضيح سياستها الخارجية وتعريف مصالحها. وكان القضاء على الإرهاب واحدا من أهدافها، لكن استخدام القوات متعددة الوحدات والتسبب بإيقاع الآلاف من الخسائر والإصابات لم يكن حلا مثاليا. وقد خفضت الولايات المتحدة تواجدها العسكري المباشر، لتكون النتيجة –في حالة العراق مثلا- أن يصبح وجود إيران أكثر حسما على المستوى السياسي من الأميركيين. ثم أصبحت الولايات المتحدة تعتمد على الأكراد العراقيين من أجل تعزيز المصالح الأميركية. ولذلك، عندما كانت تسعى إلى بناء تحالف ضد الأسد في سورية، تحالفت الولايات المتحدة بشكل طبيعي مع المجتمعات الكردية في منطقة الحدود التركية-السورية.
لم يكن اختيار الولايات المتحدة خفض تعرضها في المنطقة قرارا غير عقلاني، لكنه خلف تداعيات أيضا. فقد أدت طبيعة التحالف الذي سعى الأميركيون إلى بنائه إلى توتير العلاقات مع تركيا، بينما وضعت الولايات المتحدة على هوامش الأحداث في سورية. وأياً كانت المخاوف التي انطوت عليها تركيا تجاه إيران أو روسيا، فقد تجاوزتها على المدى البعيد المخاوف من التحالف الأميركي-الكردي على الحدود، وذهب التحالف الأميركي-التركي إلى مزيد من عدم الاستقرار.
التعاون في اللحظة الراهنة
في نهاية المطاف، يعني مستقبل سورية الكثير بالنسبة البلدان التي تتقاسم معها المنطقة. وتتقاسم تركيا حدودا معها، ورأت حركة ميليشيات كردية وهي تنمو وتكسب الخبرة القتالية في شمال غرب سورية. وتنخرط إيران في صراع تاريخي بين الشيعة والسنة، ورأت في سورية فرصة لتوسيع نفوذها. ومن بين الغرباء عن المنطقة، منحت الحرب روسيا فرصة لإعادة موضعة نفسها كقوة مؤثرة في المنطقة. وتدخلت الولايات المتحدة  لغايات تدمير "داعش" واحتواء إيران -وإنما بشكل أساسي بحكم العادة. وأدركت الولايات المتحدة فقط بعد التأمل والمراجعة أن مصالحها في سورية كانت محدودة في واقع الأمر. وليس لهذا الخرَق الظاهر من طرف الأميركيين علاقة بالكفاءة بقدر ما له بالتيارات المتقاطعة للاستراتيجية الأميركية معادة التعريف، والتي كانت تتشكل أثناء استعار الحرب في سورية.
مع تراجع الولايات المتحدة، تجتمع القوى الثلاث الباقية للنظر في الخطوات التالية في سورية. والتعاون بين هذه القوى غير مستدام على المدى البعيد. فالأتراك يريدون الحد من القوة الروسية في البحر الأسود ومنطقة القوقاز. والإيرانيون يتذكرون الاحتلال السوفياتي لشمال إيران خلال الحرب العالمية الثانية وينظرون إلى الأتراك كمنافس إقليمي. كما تحاول إيران أيضا بناء النفوذ لنفسها في كل أنحاء المنطقة –وهو ما لا ترحب به روسيا ولا تركيا.
لكن المدى البعيد ليس هو الآن بالتأكيد. وفي هذه اللحظة تجد هذه القوى الثلاث نفسها واقفة على أرضية مشتركة. يريد الروس أن يُنظر إليهم على أنهم مساوون لأميركا؛ ويريد الإيرانيون ملء الفراغ الذي تركه الأميركيون؛ ويريد الأتراك من الولايات المتحدة أن تنفصل عن الأكراد. ولا يوجد فهم مشترك حول ما ينبغي أن يحدث في سورية –وهو ما تحاول هذه القوى أن تكتشفه- سوى أن الولايات المتحدة -حتى بينما تسحب قواتها ومصالحها في المنطقة- تظل القوة التي يجب التنافس ضدها.
لا شك أن ترشيد استراتيجية قوة عظمى على المدى القصير يولد نتائج غريبة. وتشكل الكتلة الروسية- التركية- الإيرانية مثال واضح على ذلك.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The New Shape of the Middle East