الشمّاعة الحقيقية لفشلنا!

يوم أول من أمس، اجتمع رئيس الوزراء مع اللجنة الوزارية المرتبطة بموضوع الاستثمار وبهيئة الاستثمار، وعرض رئيس الهيئة، د. منتصر العقلة، قرابة 20 مشروعاً استثمارياً معطّلاً بسبب البيروقراطية. وهي -أي البيروقراطية- أصبحت اليوم الشمّاعة التي تعلّق عليها مصائبنا الوطنية، بما فيها الشكوى المريرة من أبناء الأردنيات من تعطيل حصولهم على "المزايا الخدماتية" من قبل بعض الدوائر، وكذلك الحال بشأن بعض المشكلات في العقبة!اضافة اعلان
الطريف في الأمر أنّ الجميع أصبح يهوى الحديث عن هذه الشمّاعة، طالما أنّها "الحيط الواطي" التي لا تجد لها تمثيلاً في الحكومة أو الإعلام أو مؤسسات القرار؛ فأسهل شيء على أي مسؤول هو أن يلقي الكرة في ملعب البيروقراطية، ويريح رأسه من معاناة النقد واللوم!
مع الإقرار، بالطبع، بأنّ هناك مشكلات بيروقراطية لدينا تعيق العمل وتعقّد إجراءات الاستثمارات في كثير من الأحيان، إلا أن هذه البيروقراطية ليست بلا رأس أو قيادة. وهذه القيادة من المفترض أن تكون هي مجلس الوزراء أو الوزراء أو المسؤولون الكبار في الدولة؛ أليس من واجبهم الحدّ من هذه المعوقات وتذليلها إدارياً وفنياً، وإذا عجزوا عن ذلك فليعترفوا، ويقترحوا تشريعات تساعد الدولة على تجاوز هذه العقد والعقبات القاتلة؟!
قصة إلقاء المسؤولية على البيروقراطية لم تعد صالحة للبيع؛ لا على الرأي العام ولا على المواطنين، وليست مبرراً مقبولاً للتقصير وتقاذف الاتهامات والمشكلات. فهناك قانون استثمار جديد دافع عنه رئيس الوزراء بكل حرارة، ومعه قانون الضريبة الذي عارضه كثيرون وتمسّك به الرئيس، وتدخّل "السيستم" لصالحه من أجل تمرير هذين القانونين اللذين أصبحت الحكومة تتهرب من الدفاع عنهما، بعد الانتقادات المتعددة لهما.
موضوع الاستثمار اليوم أولوية وطنية عليا، طالما أنّ المرونة في الموازنة الحكومية، مع هذا الحجم المرهق من النفقات الجارية، محدودة جداً. إذ إنّ الحل الوحيد لمواجهة المعضلات الاقتصادية الكبرى، ذات الطابع الاجتماعي والسياسي، مثل البطالة والفقر واختلالات التنمية، يبقى في جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية. وهو تحدٍّ يحتاج إلى حكومة ومسؤولين يمتلكون الرؤية والمسؤولية والشجاعة لاتخاذ قرارات مهمة لتوفير المناخ والتربة والبيئة الاستثمارية المرحّبة بالمستثمرين.
الحكومة والمسؤولون والهيئات المختلفة المعنية، يتعاملون بتراخ شديد مع هذا التحدّي المهم، وبلا رؤية أو عزيمة حقيقية، بل هي "كبسة زر" معروفة، بعد الانتقادات العليا، يتحركون بعدها أياماً عديدة، ثم تبدأ الماكينة الحكومية بالتباطؤ مرّة أخرى، ولتعود "حليمة إلى عادتها القديمة"، فنضيّع الوقت من دون إنجاز العمل الحكومي المطلوب، ونبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، ثم لنعود -ربما بعد أشهر- نتحدث عن المعوقات البيروقراطية، أو تأتي حكومة جديدة تشرح لنا معاناتها من ميراث الحكومة السابقة التي فشلت في استدراج الاستثمارات المطلوبة، على قاعدة: كلما جاءت حكومة لعنت أختها!
ولعل السؤال الذي يفترض أن يوجّه لرئيس الحكومة هو: لماذا هذا التأخير المستمر في معالجة القضايا الوطنية الكبرى، إلى أن يبدأ الملك بنفسه يتحدث عنها، كما حدث في العقبة، وبعد جلسة مجلس الوزراء التي حضرها مؤخراً، وطالب فيها بمنح الاقتصاد أولوية واهتماما كبيرا من قبل المسؤولين؟!
القصة هي، أولاً وأخيراً، ليست بيروقراطية، بل قرار سياسي وإرادة صارمة ورؤية وشجاعة مسؤولين. ومشكلاتنا جميعاً تدور حول هذه المفاهيم الحقيقية لعجز الاقتصاد الوطني وترهله ودوراننا حول أنفسنا!
إنقاذ الاقتصاد الوطني والبلاد والعباد، من آفات البطالة والفقر والاختلالات الهيكلية، يحتاج ثورة حقيقية في الإدارة الحكومية العليا أولاً، قبل البيروقراطية!