الصحافة الأردنية تغرق في الأزمة المالية

تكتب الصحافة الأردنية في كل قضايا الأرض، وتتبنى مطالب كل الشرائح والفئات والقطاعات، لكنها تقصّر في حق نفسها، وتترك وحيدة أمام تعقد واشتداد أزماتها المالية والاقتصادية التي تثقل كاهلها، وتهدد بضربها وإضعاف حضورها.اضافة اعلان
أول من أمس، بادرت نقابة الصحفيين إلى جمع رؤساء التحرير والمدراء العامين للصحف اليومية الأردنية، للتداول في أزمة الصحافة الورقية، والتي تأخذ اليوم أكثر من بعد؛ بعضها ذاتي، وبعضها الآخر موضوعي خارجي. وفيما يتعلق بالبعد الثاني، ثمة معطيات وأسباب محلية، وأخرى عامة عالمية لها علاقة بتطور صناعة الإعلام، كما تطور وسائله وتقنياته.
الملاحظة الأهم اليوم، وبعيدا عن الأسباب الذاتية لأزمة الصحافة الورقية ومؤسساتها، هي أن هذه الصحافة تخوض اليوم صراعا شديدا في إطار المنافسة المشتعلة في السوق العالمية للمعلومات والأخبار مع الإعلام الجديد؛ الفضائي والإلكتروني، في ظل ارتفاع كلف الصناعة والطباعة والتوزيع، وانخفاض المردود الإعلاني مع الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية والمحلية.
المشكلة الأساس هنا هي أن الصحافة الورقية الأردنية تخوض معركة البقاء والاستمرار في ظل موقف سلبي من الحكومات والدولة تجاهها، يتمثل، في جانب ما، في عدم الاكتراث بأزمات صناعة الصحافة؛ وفي جانب آخر، في رغبة حكومية ورسمية بالإبقاء على خيط التبعية من قبل الصحافة للجانب الرسمي، فيما تكتفي الدولة في بعض الأحيان، وأمام الضغوط السياسية والإعلامية والشعبية، بتقديم تنازلات في البيئة التشريعية الناظمة للحريات الصحفية.
وبخلاف دول ديمقراطية، وحتى غير ديمقراطية عديدة، ترزح الصحافة الورقية الأردنية تحت ضغط سلسلة ضرائب ورسوم كبيرة، وسياسات وقرارات حكومية ترفع من كلف الإنتاج والتشغيل، بل وتكاد تحرم صناعة الصحافة من ميزات وتسهيلات يحظى بها العديد من القطاعات والاستثمارات الأخرى، رغم أن الأولوية الوطنية والمنطقية للصحافة.
فالصحافة ليست أي صناعة أو استثمار، بل وليست ملكا فقط لمستثمريها أو صحفييها أو موظفيها، وإنما هي ملك للمجتمع والمواطن؛ فهي الوعاء والوسيلة اللذين يمارس من خلالهما المواطن حقه في التعبير، المكفول دستوريا؛ وهي التي تشكل له أداة للرقابة على السلطات والأداء العام؛ وهي التي تمثل صوت الرأي العام. وفي التصنيف السياسي والمدني، تتموضع الصحافة ضمن مؤسسات المجتمع المدني، كما الأحزاب والنقابات والجمعيات، رغم أنها تصدر عن شركات تجارية ربحية.
الواقع اليوم أن مشاكل الصحافة الورقية تتفاقم في ظل استمرار فرض ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية على مدخلات إنتاجها؛ من ورق وأحبار وقطع غيار لمطابعها، فيما زاد رفع أسعار المحروقات من كلف التشغيل بدرجات كبيرة، في انتظار الإجهاز على قدرة الصحف على الصمود بعد قرار رفع أسعار الكهرباء الأخير، وعدم إعفائها منه!
يضاف إلى مشكلة الضرائب والرسوم ورفع أسعار المحروقات والكهرباء، الاستقواء الحكومي، إعلانيا وتجاريا (فضلا طبعا عن أشكال الاستقواء الأخرى)، على الصحف الورقية، ما يفاقم أزمتها المالية والاقتصادية. فالإعلان الحكومي، ومنذ العام 1973، لا يدفع إلا أقل من 20 % من قيمة الإعلان التجاري في الصحف، وفق معادلة سعر متواضع للكلمة، وبالرغم من أن نحو
40-50 % مما تنشره الصحف كمواد صحفية هي أخبار وتصريحات وبيانات وأنشطة للحكومة ومؤسساتها، تتعامل معها الصحف في الغالب من باب الخدمة لا قيمة النشر!
ليس مطلوبا أن تقدم الدولة أو الحكومة دعما مباشرا للصحافة الورقية أو غيرها، بل هذا أمر مرفوض بمقاييس كثيرة. لكن المطلوب اليوم هو النظر إليها باعتبارها مؤسسات حيوية ورئيسة للمواطن والوطن، وأنها تحتاج حقا إلى إعفاء مدخلات إنتاجها من الضرائب والرسوم، كما العديد من الصناعات والخدمات.
كل المطلوب هو تمكين الصحف من البقاء والصمود.

[email protected]