الصحافة المطبوعة .. هل هي إلى زوال؟

بمناسبة خروج الصحف الأردنية هذا اليوم بالحجم الجديد، وتزامنا مع تسريح صحيفة النهار الأولى لبنانيا 50 من العاملين لديها، يتجدد السؤال حول الصحافة المطبوعة أو الورقية، فقبل نحو عام من الآن كان غلاف مجلة "الإيكونوميست" التي توزع ما يزيد على المليون نسخة ورقية يحمل عنوان "من قتل الصحيفة"، وقد شهد توزيعها ازديادا في عدد النسخ المطبوعة.

اضافة اعلان

وكان المقصود من ذلك العنوان هو التوجه العالمي الجديد الذي بات يفضل الصحافة الإلكترونية والسريعة على الصحافة المكتوبة، وهذا الأمر ليس انطباعات بل يتناول أعداد التوزيع والإعلانات وغيرها من المؤشرات التي كانت كلها تذهب باتجاه أن المستقبل للصحافة الإلكترونية، فهي منخفضة التكاليف، وليس من السهل السيطرة عليها، وهي قادرة على التفاعل مع قارئها بشكل مباشر وتفسح مجالا واسعا للتدوين. وهذا النهج تكرر بصيغة مشابهة في الأردن، فالصحافة، أو بالأصح المواقع الإلكترونية التي تنشر الأخبار أو تعيد بثها انتشرت على نحو لا مثيل له، وبات من الصعب حصرها، إذ لا يمر يوم من دون أن نسمع عن موقع إخباري جديد يستفيد من التكنولوجيا ويسعى لملء فراغ ما في فضاء الأخبار المزدحم.

ولكن ما شهدته السوق المحلية في مجال الصحافة الورقية اليومية لا يتوافق مع الاتجاه العالمي، إذ ما تزال النسبة الأكبر من مصاريف الدعاية تذهب إلى الصحف المطبوعة، وتبقى الصحف اليومية الرئيسية هي المصدر الأهم للأخبار والمرجع الأول للقارئ رغم انتشار المواقع الإلكترونية التي تسعى لتأسيس حيز ومرجعية خاصة بها، وهي بذلك الأكثر تأثيرا، ونجاح الصحف المطبوعة محليا يعود في جانب منه إلى ارتفاع سقف الحرية النسبي، وباتت المسافة ما بين الورقي والإلكتروني محدودة، ولننظر مثلا إلى زوايا الآراء التي يعاد نشرها في أكثر من موقع إلكتروني لكتاب الصحف الورقية اليومية.

يضاف إلى ذلك أن الصحف المطبوعة طورت مواقعها الإلكترونية على نحو لافت ومنحت مجالا واسعا للتفاعل ضمن الفضاء الإلكتروني، وباتت تعليقات القراء تشكل جانبا مهما من تفاعل صحيفة مثل "الغد" مع قارئها، ولكن المفارقة الأخرى مع الاتجاه العالمي فيما يخص التحولات في مستقبل الصحافة، هو ما يخص نسبة من يوظفون التكنولوجيا للحصول على المعلومة، وهذه في بلد مثل الأردن ما تزال محدودة ولا تتجاوز 20 في المائة من إجمالي السكان، مما يعني حكما أن البقية سوف تلجأ إلى الصحف للاطلاع على الأخبار المحلية، وينسحب ذلك على المعلن الذي يسعى إلى إيصال رسالته إلى زبائنه ومستهلكيه.

ولكن هذا الوضع المريح لا يعني أن الواقع لا يتغير، بل على العكس، فإن الاستمرار بتطوير قطاع الاتصالات والخدمات الجديدة التي تقدمها شركات الاتصالات والهواتف المحمولة تعني أن نسبة من سيطلعون على الأخبار والمعلومات من مصادر أخرى سترتفع، وهذا يفرض تحديا على المدى المتوسط ( 3-5 سنوات) على الصحافة الورقية التي لا تعاني حتى الآن من التحولات الجارية عالميا. غياب صحف عريقة ومهمة عالميا لا يعني أن هذا الوضع ينعكس على السوق المحلية والعربية، فالفجوة التكنولوجية ما تزال متباعدة وحينما يتم ملؤها سنجد الصحف الرائدة في مقدمة من يواكب تلك التحولات، فموقع نيويورك تايمز الإلكتروني يجتذب أضعاف عدد من يطالعون الصحيفة الورقية وهو ما زال في المواقع الأولى عالميا، وهذا يعني أن صحافتنا الورقية التي تسعى إلى التكيف ستستمر في ريادة السوق إلى حين، فبدائلها محدودة وجاءت لتلبية أهداف معينة، في حين أن العمومية هي التي تميز المطبوع المحلي، وهذا ينسجم مع طبيعة القارئ الذي يفضل المرور سريعا على الأخبار ويتوقف كثيرا عند الرياضة رغم مشاهدته لأحداثها في اليوم السابق، فقراءة الورق لها مذاق يظل يحتفظ بنكهته ولو إلى حين!

[email protected]