الصحافة في يومها العالمي

ونحن على أعتاب الاحتفال باليوم العالميّ لحرية الصحافة الذي يصادف في الثالث من أيار من كل عام، نقول مجددا بأن الوفاءُ بحق الأفراد في معرفة الحقيقة كان وما يزال الوظيفة الأساسية للصحافة الحقة في أرجاء العالم، ومن أجل ذلك كانت الصحافة سلطة رابعة وكان الدفاع عن الوصول لأدواتها والحصول على المعلومات التي تمكنّها من الوفاء بهذه الوظيفة مطلبا مفصليا من أجل أدائها، ما يساهم في تمكين الأفراد بالنتيجة من تكوين الآراء وتشكيل المواقف وممارسة الرقابة الشعبية والمساءلة والمحاسبة وصولا لدولة الحق والقانون.اضافة اعلان
العبور إلى يوم الصحافة العالميّ والاحتفال بنضالاته وأحلامه وتطلعاته يقتضي منا الوقوف على جملة من المسائل التي كانت وما تزال جوهرية فيما يتعلق بحرية الصحافة وإقامة بنيانها على قاعدة ثابتة تنطوي على المقومات جميعها اللازمة التي تضمن لها الرسوخ والتطور والنهوض في الوقت ذاته:
أولًا: إنّ الطريق القويم نحو صحافة حرة يتمثل في منظومة تشريعية وطنية تنطلق من ضمانات دستورية تكفل حماية هذه الحرية، وتضع الأطر العامة التي تشكل قيدا على المشرع تحول دون انحرافه وخروجه من اطار التنظيم نحو التقييد والمساس بجوهرها، وتحول في الوقت ذاته دون وضع قيود غير مباشرة على ممارستها. منظومة تشريعية وطنية تستند إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي كفلت حرية التعبير عموما وحرية الصحافة والإعلام بوصفها المكون الأبرز لحرية التعبير، ووضعت شروطا على القيود التي تضعها الدول على هذه الحرية في التشريعات الوطنية؛ لضمان عدم انقلاب العلاقة بين الحق والقيد؛ فتمسي القيود على ممارسة هذه الحرية هي القاعدة العامة والاستثناء هو ممارسة الحق.
ثانيا: كرست اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في أحد تعليقاتها العامة مبدأ مهما، ألا وهو أن مساحة النقد المباح أو المشروع تكون أوسع وأرحب نطاقا عندما يتعلق الأمر بشخصيات تتولى منصبا عاما؛ ذلك أن الوظيفة العامة وما ينشأ عنها من أعمال تعد من الأمور التي تهم الأفراد والشأن العام والجهات الرقابية وفي مقدمتها الصحافة، لذلك وجب أن تخضع للانتقاد والمحاسبة المستمرة دون وجل أو خوف من الملاحقة الجزائية التي تحول بين الصحافة وحقها في التعبير وإعلام الجمهور.
ثالثا: إنّ ادراك المضمون المعياري للحق في حرية التعبير والفلسفة التي تقوم عليها حرية الصحافة والأدوار والوظائف المنوطة بها وفي مقدمتها الوظيفة الرقابية من قبل السلطات كافة، يؤدي إلى سن تشريعات تمكن الصحافة من القيام بهذه الوظيفة وينتج عن ذلك بالضرورة قرارات قضائية تعلي من شأن هذه الحرية وقيمها وتعكس فلسفتها العميقة. ويحضرني في هذا السياق حكم مجلس الدولة المصري الشهير في قضية إلغاء صحيفة مصر الفتاة الصادر العام 1951م وصفت خلاله المحكمة حرية الصحافة بأنّها السياج لحرية الرأي والفكر، والدعامة التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة.
الوصول لحلم الصحافة الحرة التي تحول دون فرض الوصاية على العقل العام بالسعي نحو الوصول إلى الحقيقة التي تنير الرأي العام، يقتضي مراجعة مستمرة وموصولة لمقومات هذه الحرية التي تعد أحد متطلبات النهوض والتطور في أية دولة كانت.