"الصحراوي".. رحلة العذاب

الجنوب في بلادنا تعرفه من طريقه. بمجرد أن تعبر الطريق الواصل من عمان إلى المطار وتمضي نحو الجنوب، ترسم المسافة التي تقطعها لمحافظات الكرك ومعان والطفيلة وصولا إلى العقبة، صورة الحياة وواقع الخدمات والتنمية في تلك المدن.اضافة اعلان
"الصحراوي" رحلة عذاب، محفوفة بخطر الموت في كل لحظة. أوتوستراد دولي، يعد شريان الحياة الاقتصادية في المملكة، وصلة الوصل بين الأردن وجيرانه في الشمال والجنوب والشرق، تحول منذ سنين إلى مأساة تحصد الأرواح كل يوم، وتحيل أحدث المركبات وأمتنها إلى "خردة".
لسنوات مضت، كانت الحكومات تنفق نحو 17 % من الموازنة العامة على مشاريع الطرق. وكان هذا في نظر خبراء التنمية إفراطا على حساب مشاريع التنمية. لكن "الصحراوي" لم ينل شيئا من كرم الحكومات المفرط؛ فبينما كانت شوارع جديدة تفتح، وقديمة تعاد صيانتها، ظل "الصحراوي" خارج الاهتمام، باستثناء ترقيعات بسيطة سرعان ما تذوب مع أول "شتوة".
ومن سنة لسنة، كانت حال "الصحراوي" تتردى من سيئ إلى أسوأ، لينال عن جدارة وصف أخطر أوتستراد دولي في المنطقة.
عاف الجنوبيون السير عليه، وبدأت الشاحنات تتجنبه. وصارت الرحلة من عمان إلى معان قصة تروى، من هول ما فيها من مخاطر ومعاناة.
الحكومات في بلادنا تعمل بالمياومة، ولا تلتفت في معظم الأحيان للمردود السلبي لتردي الخدمات على نظرة المواطنين لدولتهم. أزعم أن ما من مواطن جنوبي إلا وشتم وصرخ غاضبا وهو يعبر "الصحراوي" بسيارته. ومع كل مشوار لعمان، يعود إلى مدينته متسائلا بحسرة: لماذا "الصحراوي" دون غيره يبقى على هذه الحال؟ وعادة ما تكبر الأسئلة، فتغذي مزاجا حادا يتعزز مع مرور الوقت ليتحول إلى موقف عدائي من الدولة ومؤسساتها بسبب هذا التقصير في خدمة المواطنين.
أمس، لقي ثلاثة مواطنين حتوفهم على "الصحراوي". وقبل أيام قليلة، قضى مثلهم على نفس الطريق. لا أملك رقما دقيقا لعدد ضحايا "الصحراوي" في الأعوام الأخيرة، لكن في اعتقادي أن الخسارة في الأرواح ثقيلة، ناهيك عن الخسائر المادية التي تكبدها السائقون؛ فبعد كل رحلة على "الصحراوي" عليك أن تراجع أقرب ميكانيكي سيارات لتصلّح الأعطال وتستبدل القطع التالفة.
أخيرا، أطلقت الحكومة "مشكورة" مشروع إعادة تأهيل الطريق الصحراوي، بعد أن أصبح مثل "مريض في غرفة العناية المركزة"، على ما قال وزير الأشغال العامة في مذكرة لرئيس الوزراء؛ وبكلفة 105 ملايين دينار، مقدمة على شكل منحة وقرض من الأشقاء السعوديين. ومن المفترض أن يبدأ العمل بالمشروع منتصف العام الحالي، من دون تحديد موعد نهائي لإنجازه.
وحتى ذلك الحين، يتعين على مستخدمي الطريق أن يتعايشوا مع الواقع المُرّ، ويقدموا مزيدا من الضحايا قرابين على طريق الموت، لعدم توفر طريق بديل أو مواز يخدم السائقين لحين إنجاز "المعجزة".
لكن أيا يكن رأي الجنوبيين بحكومة د. عبدالله النسور، فإن عليهم تذكر أن نهاية معاناتهم مع "الصحراوي" كانت على يد حكومته، فيما لم يسأل بهم أبناء جلدتهم عندما كانوا يجلسون على الكرسي نفسه.