الصدام بين الإسرائيليين واليهود

يديعوت أحرونوت

يرون لندن  14/8/2018

في بطولة أوروبا التي جرت الأسبوع الماضي، برزت رياضيتان إسرائيليتان لونا شمتاي سلفتر وحنه كوزايبا – مننكو. عندما فازت شمتاي سلفتر بالعدو لـ 10 آلاف متر، لفت نفسها بعلمنا، وقضى رئيس الدولة بأن فوزها أثار فخرا إسرائيليا. رفيقتها تنافست في القفز الثلاثي، وصلت إلى المرتبة الخامسة واعتذرت للجمهور الإسرائيلي على خيبة الامل التي اوقعتها به. وأنا أفترض ان الكثيرون ارادوا مواساتها والقول لها اننا فخورون بها هي أيضا.

اضافة اعلان

ما هو الجسم الذي يقيم علاقات عاطفية بهذه القوة مع الرياضيتين؟ هذا ليست دولة. فالدولة ليس لها مشاعر تجاه أي إنسان لان المنظمات لا توجد لها مشاعر. كما أن هذا ليس الشعب اليهودي الذي معظم ابنائه لم يسمعوا على الاطلاق عن هاتين الرياضيتين، بل حتى لو سمعوا لما بلغت انجازاتهما طرف أظافرهم. وبالفعل، من هم ابناء الجماعة الكبرى الذين شعروا بان هاتين الفتاتين تمثلانهم وفرحتهما أو خيبة أملهما تهز اركانهم؟

للاجابة على ذلك، ينبغي أن نتذكر أن الفتاتين ليستا يهوديتين. ولكن الكثيرين منا يفتخرون بهما مثلما يفتخرون بـ "ووندر وومان"، غال غادوت، التي حسب علمي، هي يهودية من بطن امها. لقد ولدت مننكو في اوكرانيا، وشمتاي في كينيا. ونالتا المواطنة الإسرائيلية لانهما تزوجتا من إسرائيليين يهوديين. لا أدري اذا كانتا تهودتا تهودا ارثوذكسيا قبل زواجهما، أم انهما تجاوزتا بهذه الطريق أو تلك الاجهزة الثيوقراطية، ولكني اخمن بانهما تشعران بهذا القدر او ذاك بانهما ابنتان للقومية الإسرائيلية، الجوهر غير المعترف به من مؤسسات دولة إسرائيل. في بلادنا لا يمكن للمرء أن يعرف بالقومية الإسرائيلية النقية من الهوية الدينية، رغم أنه حسب احساس الكثيرين هناك بالفعل هوية كهذه.

وهنا أعود لان اطحن في موضوع قانون القومية. سنّه سرع الصدام بين اليهود وبين الإسرائيليين، لانه استهدف تعزيز العنصر اليهودي في الشخصية الجماعية للدولة. وبدأ رد الفعل المضاد بالاحتجاج على الاهانة التي لحقت بالدروز، واتسع إلى جدال على قيمة المساواة، والان، رغم أن هذا التطور لم يشخص ويصاغ كما ينبغي، يدور الحديث عن خلاف تنغرس جذوره في الثلاثينيات من القرن الماضي، حين أعلنت مجموعة صغيرة من المثقفين البارزين بانه يتبلور في بلاد إسرائيل شعب جديد يختلف عن الشعب اليهودي في المنفى. ووصفهم خصومهم احتقارا "كنعانيين" على اسم سكان البلاد الاوائل الذين يذكرون في الكتاب الديني "هاميكرا".

لقد اختفت هذه المجموعة، ولكن عمليا تجري بالتدريج مسيرة تؤدي إلى تحقق رؤياها. فالإسرائيليون اليهود يطورون قومية منفصلة، رغم أنف مشرعي قانون القومية بل حتى بمعونتهم. فالشعب المتجدد يعرف وفقا للغته ووفقا لحدود الارض الاقليمية التي يسيطر عليها، وهو سيضم في المستقبل غير البعيد أيضا العرب مواطني إسرائيل. والسؤال هو اذا كان هذا التطور سيشبه التطور المأساوي للمستوطنين الهولنديين الذين اصبحوا بوريين، ابناء الاقلية العنصرية البيضاء جنوب افريقيا، أو سيشبه ذاك الذي وقع في الديمقراطيات الكبرى. فسكان نيوزيلندا ليسوا انجليز، رغم أنهم يتحدثون اللغة الاقرب إلى الانجليزية، مواطني محافظة كويبك في كندا يتحدثون نوعا من الفرنسية، ولكنهم ليسوا فرنسيين بل كنديين. مواطنو استراليا هم استراليون، مهما كان أصلهم العرقي ومهما كان دينهم.

معظم الناس في العالم يعيشون في مدن آخذة في ان تشبه الواحدة الاخرى، ولذلك فإن القول ان "الانسان ليس سوى مضمون مشهد وطنه" يحتاج إلى تعديل. ليس وجه الارض هو الذي يخلق المضمون بل المجتمع الناشئ في أرض اقليمية معينة وثقافتها تتغير بلا توقف بتأثير علاقات الانسان بالانسان. المجتمع الإسرائيلي في 2018 ليس ذاك الذي كان في 1948، ومضمون الانسان الذي نشأ فيه ليس ذاك الذي كان في حينه. قانون القومية هو تعبير عن الرجعية، ويشكل مظاهر منازعة حياة الهيمنة اليهودية وليس تعززها.