الصديق الوفي المناضل سمير حداد

فهمي الكتوت

حرصت النظم العربية على بناء السجون والمعتقلات أكثر من حرصها على بناء المستشفيات ومراكز العلم والأبحاث، وأنفقت على المؤسسات الأمنية أكثر من إنفاقها على التعليم والصحة، ومع ذلك لم ينعم الوطن العربي بالأمن والاستقرار، واخترق أمننا القومي ليس من "إسرائيل" فحسب، بل ومن منظمات إرهابية ارتكبت أبشع الجرائم بحق الإنسانية. اضافة اعلان
كم من أبناء شعبنا تعرض للاضطهاد والمعاناة، وكم من التضحيات قدمت الحركة الوطنية الأردنية على مختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية من أجل الحرية والديمقراطية من سجون وإبعاد وحرمان من العمل والسفر.
 وكان للمناضل الوطني والأممي سمير حداد نصيب من الحرمان الإبعاد عن الوطن أكثر من عقدين من الزمن، لم يعرض أمن الأردن للخطر.. ولم يكن فاسدا في حياته أو ناهبا للمال العام- وجدت زوجته حسابا له في البنك بقيمة أربعين دينارا-  بل حذر من اللصوص والفاسدين، دافع عن الفقراء والمهمشين.. دافع عن استقلال الأردن.. وناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كان صاحب رأي.. حاملا فكرا انسانيا تقدميا.    
تعرفت على إبي سلام قبل أكثر من أربعة عقود - كباقي أصدقائه- لي قصص وحكايات إنسانية ووطنية مع صديقي ورفيق دربي.. كانت البداية في صيف العام 68 في دمشق، وكانت زيارتي الثانية للعاصمة السورية.
حطت بنا السيارة في ساحة المرجة، كان الطقس حارا، لا أزعم أنني أعرف دمشق جيدا حينها، لكن من يصل ساحة المرجة يشق طريقه إلى مبتغاه.
اتجهت الى فندق بسمان وهو في أحد أزقة ساحة المرجة، وفي المساء التقيت الرفيق سمير حداد لأول مرة، كان مكلفا بإجراء الترتيبات اللازمة لسفرنا إلى صوفيا بحرا عن طريق اللاذقية لحضور مهرجان الشباب العالمي، وكانت مناسبة شبابية أممية شارك فيها شبيبة من أرجاء المعمورة. تعرفت في صوفيا على شعراء المقاومة محمود درويش وسميح القاسم لأول مرة، أضْفت مشاركتهما على المهرجان ميزة خاصة، كانت أول مرة يلتقيان جمهورا عربيا خارج فلسطين المحتلة.
 كما تعرفت على أبطال فيتنام، تأملت وجوههم مليا، هؤلاء الأشداء الذين ركّعوا الجيش الأميركي.. هؤلاء الذين مرغوا سمعة أميركا بالوحل.. لم تكن الهزيمة النكراء تحققت للجيش الأميركي وعملاء سايغون بعد، لكن ملامح الانتصار كانت ترتسم على وجوههم.
كانت رحلتي مناسبة للقاء رفاق لم ألتقهم من قبل بحكم الظروف السرية التي كان يخضع لها عملنا السياسي في ظل الأحكام العرفية. كان سمير شابا في مقتبل العمر يتمتع بخفة وحيوية. قسمات وجهه توحي لك بسمات قيادية، كان مرحا ودودا سريع البديهة صاحب نكتة.
التقينا كثيرا لاحقا بعد اللقاء الأول بحكم إقامتي بدمشق.. وترافقنا في موسكو في معهد العلوم الاجتماعية، وتوطدت العلاقات بيننا.
قطع سمير الدراسة في موسكو ليعود إلى دمشق بناء على طلب الحزب، كانت تنتظره مهمة خاصة، كان أبو سلام مفوض الحزب في الخارج، يتابع أدق المهمات، خاصة في الظروف السرية، مثّل الحزب في العديد من الفعاليات والمؤتمرات العربية والدولية.
كان الرئة التي يتنفس منها الحزب في ظروف الإرهاب ومصادرة الحريات، قام بدوره على أكمل وجه، ليس من الناحية العملية والإجرائية فحسب، بل ومن الناحية الشخصية والإنسانية.
 كان يعتبر الرفاق الذين يصلون إلى دمشق ويحتاجون لمتابعات وإجراءات مع الدول الاشتراكية ضيوفا عليه وعلى رفيقة دربه أم سلام، التي لم تدخر جهدا لتوفير الراحة للضيوف.
 كان بعضهم يفترش الأرض لقضاء ليلة أو أكثر في بيت أبي سلام المتواضع، خاصة في فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982.
 فقد تطوع مئات الطلاب الرفاق والأصدقاء من الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في صفوف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بدعوة من الحزب، واستجابة لدعوة منظمة التحرير الفلسطينية.
كان أبو سلام، وسميه أبوسلام المناضل الرفيق داود عريقات، يستقبلان الطلاب في منزليهما في دمشق مقدمين لهم ما توفر من المساعدة والإقامة لتسهيل دخولهم إلى لبنان للمشاركة في التصدي لقوات الاحتلال الصهيوني.
ونحن نودع مناضلا عزيزا على قلوبنا، نؤكد أننا على العهد باقون، كما بقي سمير قابضا على مبادئه كالقابض على جمر، لك المجد والخلود أيها الرفيق العزيز، والصبر والسلوان لرفيقة دربك أم سلام ولكريماتك وأسرتك الأحباء.