الصراع الطبقي من منظور إسلامي

xb6qlst7
xb6qlst7
د. هاشم غرايبة هنالك شريط مصور، حفظه الأردنيون غيبا لكثرة ما تناقلوه عبر مواقع التواصل، ويظهر أربعة من قادة مجلس النواب في جلسة خاصة في بيت أحدهم، وهم يحتسون (..) ويتحدثون عن المكائد والدسائس. كان من حكمة الله في خلق البشر، أنه لم يجعلهم على نسق واحد كالحيوانات، والتي قد يتباين أفراد الفصيلة منها قليلا ببعض المواصفات فيما بينهم، لكن لا يوجد ديك ينتمي لعائلة كريمة وديكة أخرى شعبية، ولا كبش زعيم في القطيع يستعبد القطيع ويسخر النعاج لخدمته وإحضار الحشائش له وهو جالس في الظل، بل كل صنف من طبقة واحدة، لايعلو بعضها على بعض ، وحتى الصغار منها، فما أن يكبروا على الرضاعة، تترك الأم رعايتهم، بل وتقاتلهم على الطعام. الإنسان أوجده الله فريدا في كل شيء، ومن ضمن ذلك أنه هيأ الناس ليكونوا على درجات: "وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا" [الزخرف:32]، وقد بين أن ذلك لكي يتوزعوا على جميع المهن والمهارات التي تتطلبها مدنية الإنسان وطبيعة معيشته في مجتمعات متكاملة المهام والقدرات. وذلك أن الفرد لا يمكنه تلبية احتياجاته بذاته بل يحتاج لغيره، فقد يحذق فرد مهنة النجارة مثلا وقد يلم بصنعتين أو أكثر، لكنه بالتأكيد سيحتاج الى عشرات الخبرات الأخرى مثل الطب والخياطة والسفر ..الخ، فلا بد من اللجوء الى خدمات آخرين يحذقون مهنهم. لكن الله لم يمنح الطبيب مثلا أفضلية على الحداد، ولا للتاجر على المزارع، فكلهم متساوون في القدر، وأما علو مكانة أي منهم والتي يتمايزون بها في نظر الخالق، فهي بمقدار تقواهم والتزامهم بنهج الله، وليس في ما يملكونه من مال ولا جاه ولا سلطان. لذلك فالطبقية في الإسلام تعني التعددية والتنوع، وهي ضرورية من أجل التعاون وتبادل المنافع، وليست في سيادة مجموعة متنفذة على طبقات أخرى، أو استغلالها هذا الفيض من القوة في تسخير الآخرين لنفعها، فتنال نفعا أعلى من غيرها، فيما هي لا تقدم جهدا يوازي هذا الفارق... فتلك هي الطبقية البشرية، التي اصبحت سمة المجتمعات غير المؤمنة. فعلى مدى العصور تكونت في كل المجتمعات طبقات متباعدة متباغضة، بسبب الظلم الذي يقع على الدنيا منها ومحاولة العليا الاستفراد بكل المزايا، وهذه ظلت على الدوام تتشكل من العائلات الحاكمة وحلفائها من الاقطاعيين والكهان، وهذا التحالف مصلحي، فهم يُقِرّون بالمُلك للحاكم ولهم الأعطيات والتميز. هؤلاء هم الملأ من القوم، وظلوا على مدى الحقب يقفون بالمرصاد لرسل الله، ويناصرون الحاكم للصد عن دعوتهم، لأنها تدعو للمساواة والعدالة، لذا فهي أكبر تهديد لتحالف الطغاة الذين يستأثرون بالمال والنفوذ. لقد سمى الله عز وجل هذه الطبقة بالملأ، وأورد دورها في مناهضة رسل الله والدعاة الى اتباع نهجه في آيات كثيرة، وأكثرها كانت في سورة الأعراف: فقد قالوا لنوح: "قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ" [الآية60]. أما هود: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِين" [الآية66]. وصالح: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ" [الآية75] وشعيب: "وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ" [الآية90] أما موسى: "وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ" [الآية127]. لقد ثبت بالتطبيق والتجريب، أن الصراع بين الطبقات ليس الحل لتحقيق العدالة والمساواة، لأن طبقة المسحوقين لو تمكنت من القضاء على الطبقة البرجوازية، لن تتمكن من تسيير الأمور، بل ستعم الفوضى ويهلك العمران (كما حدث بُعيدَ الثورة الفرنسية)، فلا حل إلا بتعاون الطبقات وليس تصارعها، ولا يتحقق ذلك إلا بتطبيق شريعة الله، فهو من خلق البشر على هذه الطبيعة، وهو بلا شك أعرف بما ينفع الناس ويحقق العدالة بينهم. ولأن الطبيعة البشرية مبنية أصلا على التعددية والتنوع في الاهتمامات والتباين في القدرات، فلا تستطيع فئة بشرية منفردة إدامة العيش وتحقيق متطلباته، بل لا بد من مشاركة جميع الفئات، لذا من الخطأ التصور أن العلاقات المجتمعية الأمثل يمكن تحقيقها من خلال تصارع طبقاته، وليس الحل في تحقيق ديكتاتورية الطبقة العاملة وتمكينها من السيطرة على وسائل الإنتاج ومفاصل الإقتصاد، فلن تختلف النتيجة عن ديكتاتورية الطبقة البرجوازية القائمة حاليا. إن مناطات التشريعات الإلهية تحقيق المساواة في الحقوق، والتكامل في الواجبات، وليس التماثل والتطابق في المصالح، فبذلك وحده تتحقق العدالة الإجتماعية، فتعطي لكلٍّ ما يحتاجه، وتأخذ من كلِّ ذي إمكانية جهده، ولا يضمن حسن التطبيق إلا أن يكون الرقيب على المرء ذاته، وهذا لا يتحقق إلا بإيمانه أن عمله مرئي لمن لا تغيب عنه شاردة ولا واردة، وان فعله يجازى عليه من جنسه. هذا هو الحل الوحيد والأكيد لحياة بشرية سعيدة، لا تقاتل فيها ولا تصارع، بل تعاون وتراحم.اضافة اعلان