الصراع بين الجمهوريين ود. فاوتشي

لعل الاسم الأبرز، والذي دفعت به جائحة كورونا الى الأضواء هو الأميركي (أنتوني فاوتشي) مستشار البيت الأبيض لمكافحة كورونا، وعالم المناعة واختصاصي الأمراض المُعدية الشهير والذي أطلقت عليه صحيفة (نيويورك تايمز) لقب:» خبير الأمة الرائد في مجال الأمراض المعدية». لكن عِلم الرجل وتمكنه في اختصاصه لم يكن السبب الرئيس في شهرته، وتسابق وسائل الإعلام العالمية للظفر بإجراء مقابلة معه أو الحصول على تصريح منه، وإنما كراهية الحزب الجمهوري له، والذين طالبوا بإقالته، واتهموه بالكذب والسيطرة على حياة الأميركيين لمدة عام، حيث كان الوباء قد ظهر في الولايات المتحدة الأميركية في فترة ولاية دونالد ترامب، ومحاولة اللعب على بعض الثغرات التي شابت تعامل الجهات الرسمية الأميركية مع الجائحة، حيث تعرضت إدارة ترامب لانتقادات حادة عندما تجاوز عدد الوفيات (600) ألف بسبب (كوفيد19) والإلقاء بالمسؤولية على كاهل (فاوتشي)، بسبب ما آلت اليه الأمور آنذاك من تقصير واهمال في محاولة لتبرأة الإدارة الجمهورية السابقة من المسؤولية عن حالة الارتباك التي تسيدت الموقف في التعامل مع هذا الملف.اضافة اعلان
لقد حاول الرئيس السابق ترامب التخلص من (فاوتشي) بإقالته، وإلصاق فشل إدارة ترامب في إدارة ملف كورونا به، كما وصفه بأوصاف غير مسبوقة مثل الكارثة والأبله ولم يقتصر هذا التصرف على ترامب، بل أصبح (فاوتشي) ضيفا دائما على جلسات الاستماع والتي هي أقرب الى الاستجواب أمام لجان من (الكونجرس).
وكانت آخر حلقات هذه الاستجوابات تلك التي قادها السيناتور (راند بول) والذي اتهم (فاوتشي) فيها بالكذب بشأن تمويل مؤسسات فيدرالية أميركية لإجراء تجارب على (الفيروس في مختبر ووهان)، وهذا ما نفاه (فاوتشي)، مخاطباً السيناتور: «أنت لا تعي ما تتحدث عنه، وإن كان هناك منْ يكذب فهو أنت».
أما السيناتور (ماديسون كاوثرون) فقد توعد (فاوتشي) بالمحاكمة في حال عاد الجمهوريون للسيطرة على (الكونجرس) في انتخابات(2022) واصفاً إياه بأنه أُلعوبة بين أيدي الحزب الشيوعي الصيني.
كما استغل الجمهوريون بعض التناقضات في آراء وتصريحات الدكتور (فاوتشي) خاصة فيما يتعلق بارتداء الكمامة والتي عارضها في بداية الجائحة، ثم عاد ليصحح موقفه بعد الحصول على أدلة تدعم دورها في الوقاية من انتشار العدوى.
لقد حملت هذه الجائحة سمات عديدة، ولعل أبرزها تسييسها من قبل الفرقاء السياسيين واستخدامها كأداة للنيل من خصومهم مستغلين اتساع رقعة قبول نظرية المؤامرة من قبل الجمهور، كما حاول هؤلاء استغلال حالة الارتباك التي أصابت العلماء والأطباء في مواجهة حالة غير مسبوقة من التشكيك في مصداقيتهم، رغم أن أهم سمات العلم أنه معرفة متراكمة وقد تتغير المواقف بتغير الأدلة والمستجدات، وهذا لا يقتصر على جائحة كورونا وإنما هو سمة كافة مناحي العلم ومنها العلوم الطبية.
وتكمن خطورة تشكيك الناس بالعلم والعلماء في خلق حالة من عدم الثقة في كل ما يصدر عن المؤسسات العلمية وتبني خيارات خاطئة خاصة فيما يتعلق بالصحة وهذا ما ظهر جلياً من خلال استطلاعات الرأي التي تشير الى إحجام أنصار الحزب الجمهوري عن الاقبال على تلقي المطعوم، كما رفض نصف النواب الجمهوريين الاعلان عن موقفهم من المطعوم.
إن الصراع بين الجمهوريين والدكتور (فاوتشي) ليس ظاهرة أميركية صرفة، فهناك صراعات مماثلة تدور في مواقع أخرى وان كانت تحت أسماء وعناوين وأجندات مختلفة في العديد من دول العالم يقودها سياسيون شعبويون همهم الوحيد كسب المؤيدين ولو على حساب صحة المواطنين ولا أدل على ذلك من الكارثة التي جلبها الحزب الحاكم في الهند إلى بلاده والعالم، والتي نجم عنها انفلات الأمور وتكون سلالة شرسة أعادت العالم أجمع الى المربع الأول في حربه مع الجائحة.