الصراع على الديمقراطية

ما يحدث في مصر اليوم من سجالات وحوارات تصل إلى حد الاشتباك السياسي والفكري والجماهيري كان أمراً متوقعاً، إذ إنّه يختزل أمرين رئيسين؛ الأول الصراع التقليدي بين الإسلاميين والقوى العلمانية المختلفة، والثاني إشكالية العلاقة أو إمكانيات دمج الدين مع الديمقراطية في الفضاء الإسلامي.اضافة اعلان
على الجانب الأول من الأزمة، فإنّ الاستفتاء على الدستور، الذي حظي بتأييد شعبي كاسح، كان محط غضب وبروز الاختلافات العلنية الكبرى بين جماعة الإخوان وحليفهم المقبل على الحياة السياسية حديثاً، التيار السلفي من جهة، والقوى العلمانية المختلفة من جهة أخرى.
ومن دون الخوض في الجدالات المختلفة، التي يمكن رصدها بوضوح في الإعلام المصري، فإنّ هنالك "فجوة ثقة" بين الطرفين، تستدعي المصلحة الوطنية المصرية ردمها سريعاً، وإلاّ فإنّها ستعطّل المسار الديمقراطي الحالي، وتمنح ذرائع للانقضاض عليه.
الحقيقة التي يجب أن تقرّ بها القوى العلمانية، وحتى الشباب الثوري فيها، الذي لعب دوراً كبيراً في تحرير مصر من الاستبداد، هي أنّ القوى الإسلامية اليوم نافذة ومهيمنة على الشارع، وأنّ منافستها لن تكون بين يوم وليلة، والأفضل الإقرار بذلك، مع الحرص على "عقد" صفقة مع الإسلاميين وتفاهمات مع الجيش تضمن عدم الانقلاب على الديمقراطية، مع منح الإسلاميين فرصة الدخول بقوة إلى النظام السياسي.
الإخوان أسسوا حزباً جديداً هو الحرية والعدالة، وما يزالون تحت "صدمة الثورة" لم يخرجوا منها، ويقود الحرس القديم الجماعة بعقلية "المرحلة الأمنية" وصراعاتها، ومنطق المكاسب التنظيمية، لا بمنطق الدولة والمصالح العليا للوطن، والقدرة على اجتراح معادلة استراتيجية جديدة لخط سير الجماعة، مع الاختلاف الجوهري في البيئة المحيطة اليوم عن العقود الماضية.
الاختلاف الثاني مرتبط بالأول، ويمس تعريف طبيعة العلاقة بين الدين والدولة، وهي المناطق الأكثر حساسية، كونها تقع في صلب سؤال الهوية والثقافة لدى الجميع، وتشتبك مع "العواطف الدينية" التي من السهولة التلاعب بها.
بالضرورة لا نتوقع أن نصل بين ليلة وضحاها لإجابات عن هذه الأسئلة المركبة، التي تحتاج إلى فكر إسلامي تنويري وجماعة من العلماء والفقهاء يساعدون على عملية الدمج والتزاوج بين الدين والديمقراطية، بما يمثل خياراً استراتيجياً ومخرجاً لأزمة ثقافية سياسية تعيش فيها الشعوب العربية منذ قرابة قرنين من الزمان، مع بدء محاولات الإصلاح الإسلامي.
ما يساعد على تجاوز هذه المحطة التاريخية-الضرورية، والطبيعية التي تمر بها لحظة التحول الديمقراطي في مصر، هو وجود روح جديدة للثورة المصرية، تستدعي دوماً النظر إلى المستقبل، والبحث عن طريق الخلاص من الواقع المرير السابق من جهة، والحياد الحالي للمؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
يساعد، أيضاً، على عبور هذا المنعرج وجود نخبة من المثقفين والمفكرين المصريين الذين أبدعوا في تقديم تصورات إسلامية معاصرة وحضارية، كما هي حال د. طارق البشري، د. محمد سليم العوا، د. أحمد كمال أبو المجد، فهمي هويدي، وهم من كتب عنهم صاحب كتاب "إسلام بلا خوف"، ويلعبون حالياً دوراً حيوياً في توجيه الرأي العام.
حتى في المؤسسة الدينية الرسمية نجد أعلاماً في الفكر الإسلامي، أمثال مفتي الديار المصرية علي جمعة، وشيخ الأزهر د. أحمد الطيب، وهنالك مجموعة من الفقهاء الكبار الذين يقدمون تأويلات فقهية ودينية تساعد كثيراً على خلق معادلة التزاوج بين الإسلام والمدنية والحضارة.
بالضرورة، الحالة المصرية مشابهة لمختلف الدول العربية، والسجالات هي نفسها بصيغة قريبة في تونس، والحديث عن الإسلام السياسي والدولة الديمقراطية يعم العالم العربي، ما يستدعي البحث عن الإجابات الفكرية والسياسية.

[email protected]