الصراع على ملكية الأرض في الأردن

اذا ما وضعنا ملفات الفساد المتراكمة المرتبطة بملكية الأرض جانبا، فإن ما يتبقى من ملفات الصراع على الأرض يقع في إطار التحولات الاجتماعية والعلاقة مع الدولة، وهي ملفات تأخرت الدولة في حلها وجاء الفساد لكي يشعلها من جديد، وأهمها ما يسمى بالواجهات العشائرية التي تفاقمت مؤخرا ووصلت إلى حد لا تنفع معه المداراة الرسمية التقليدية ولا التسويات، لأنه ملف معقد ومركب ويفتح الباب لأزمة متدحرجة لا تنتهي.اضافة اعلان
   تأخذ أزمة الصراع على ملكية الأرض في الأردن أشكالا متعددة، حيث تشكل إحدى الأزمات المقلقة التي طالما أُهملت حتى اكتشفنا مؤخرا حجم التعقيد الذي يلفها، نتيجة الفجوة التشريعية التي أبقت مناطق واسعة من الجدل حول الأرض بدون غطاء قانوني، ونتيجة غياب رؤية واضحة حول تاريخ ملكية الارض واستخداماتها وحدود دور الدولة، ما عقد المسألة في جوانبها القانونية والاجتماعية والأمنية.
الأزمة الحالية لا تتوقف عند مظهر واحد بل ثمة حزمة معقدة من المظاهر يمكن تلخيصها في ثلاثة أبعاد أساسية جميعها لا يمكن حسمه لمصلحة فكرة الدولة الحديثة إلا بالقانون وبحلول اجتماعية اقتصادية مبتكرة تشرع قانونيا أيضا.
إن مفهوم الواجهات العشائرية بالطريقة التي يعبَّر عنها اليوم لا ينتمي بأي حال من الاحول لفكرة الدولة الحديثة، بل يتناقض معها على طول الخط، كما أنه لا يعبر بشكل دقيق عن أصل فكرة الواجهات العشائرية والممارسات التي ارتبطت بنشأتها الاولى، والتي عبرت عن المجال الحيوي لحركة العشائر ومراعيها على مدى قرون.
  لماذا عادت مشكلة الواجهات العشائرية إلى الواجهة مؤخرا؛ التفسير الذي لا جدال فيه أنها ردة فعل تمارسها المجتمعات المحلية على حجم الفساد الذي مارسته حكومات متعاقبة في استغلالها لما منحها القانون من سلطات لوضع اليد على الأرض التي عرفت سابقا بأنها واجهات لقراهم وبلداتهم، تم ذلك  باسم النفع العام وهو الشكل الثاني للأزمة، وما إن تمر سنوات وأحيانا شهور قليلة حتى يكتشف الناس أن ذلك النفع العام لم يكن أكثر من تفويض أو بيع بأبخس الاثمان يُمنح منحة لرجال أعمال وشركات خاصة. حدث ذلك في عمان والزرقاء وفي الجنوب والشمال على حد سواء، والأمر الأكثر مرارة أن معظم تلك المشاريع التي فوضت لرجال أعمال وشركات لم تر النور.
النمط الثالث من مظاهر الأزمة يتمثل في تدخل موجات من رجال الأعمال يظهرون فجأة في عرض الصحراء وعلى رؤوس الجبال في القرى البعيدة ويشترون آلافا من الدونمات بتراب الفلوس وتباع بعد بفترة بالملايين، ما يثير في كل مرة حفيظة تلك المجتمعات التي بدأت تبحث في دفاترها القديمة عن أملاك، وتمارس ما مارسته الحكومات بوضع اليد بالقوة على الارض.
  يتفاقم ملف الصراع على ملكية الأرض في الأردن مع استرخاء يد الدولة، ما يزيد من الطامحين، بينما ما تزال الحكومات منذ عقود طويلة عاجزة عن إنجاز أعمال التسوية في معظم أنحاء البلاد، وما أنجز منها يعد مستودعا لأشكال وألوان من الفساد.
 اليوم تحتاج الدولة إلى حلول قانونية واجتماعية واقتصادية مبتكرة لتحرير الدولة والمجتمع من سطوة مفهومي وضع اليد والواجهات العشائرية، ولعل من بين أكثر الأفكار ذات التأصيل التاريخي وذات العمق الاقتصادي والاجتماعي أن نعود للبحث في فكرة "نظام الحمى"، وهو نظام تقليدي لإدارة الأراضي والانتفاع منها مع منع التصرف بها، ما يبقي على الملكية العامة للأصول. وإذ تلتقي فلسفة هذا النظام مع غايات نظام المحميات المعاصر فإنه يعود في جذوره إلى بدايات الفتوحات الاسلامية حيث تمأسس في العهد الأموي، وقيمته الحقيقية أنه يوفر حق الانتفاع ويحمي الأصول. إقليميا طبق النظام بنجاح في لبنان ومؤخرا في سورية. ولا ينقصنا شيء لكي نطور نظام حمى لإدارة الأراضي خاصا بنا يشرَّع له قانونيا ويستبدل وحدة البلدية مكان العشيرة.

[email protected]