الصفة التي ينبغي أنْ تتقدم

أيّ تصاعدٍ في التكامل الوطني العراقي سيُحدِثُ فرقاً كبيراً في الإقليم، بينما حشدُ الصفوف في العراق على أسسٍ طائفية أو على أساس انتصار الشوفينيات الكبرى على الشوفينيات الصغرى يُعقّد الأزمة الوطنية العراقية أكثر مما يحلها. ظلَّ هذا الأخير حال العراق زمن صدام حسين، وكان المأمول أن يتغيّر الوضع بعد 2003، إلى أن وصلنا إلى عراق ما بعد استفتاء مسعود بارزاني، لنكتشف أننا لم نتعافَ من أزماتنا الكبرى: أزمة الهوية، وأزمة تأسيس الدولة-الأمة، وأزمة النموذج في محاولة بناء القوة بمفهومها الشمولي.اضافة اعلان
واللافت أن عراق ما بعد صدّام لم يُقدّم دليلاً واحداً على أنّ زوال السلطة المستبدة في مجتمعاتنا كافٍ وحده لانتقال هذه المجتمعات من الاعتلال إلى الصحة. وحين لم نمتلك، أو نسعى لتأسيس، النموذج البديل عن حكم الفرد، وجدنا أن إيران التي تغلغلت في عراق ما بعد صدام، زادت من ترسيخ تلك الأزمات وتعميقها، هي (إيران) التي لم تتعافَ من أزمات الهوية والنموذج وبناء القوة... وفاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا كان صحيحاً أن شرائح واسعة من الشعب العراقي باتت اليوم أكثر مقبولية ورغبة في تمكين الحضور الأميركي في العراق، احتجاجاً على هيمنة إيران وتدخلها في مفاصل القرار في بلاد الرافدين، فإن موقف واشنطن من استفتاء كردستان قدّم لحيدر العبادي ورقة رابحة لإدارة توازن "وطني" بين طهران وواشنطن، وبين بغداد وأربيل، وبين العرب والأكراد، غير أن حسابات العبادي الانتخابية جعلته يرى في خطوة بارزاني وفي الموقف الأميركي منها فرصةً لإضعاف أوراق منافسه على رئاسة الوزراء نوري المالكي، وفي مقدمتها ورقة الحشد الشعبي والدعم الإيراني ورفض انفصال الأكراد.
اليوم يتكئ العبادي في مستقبله السياسي والانتخابي على هزيمته "داعش" وإفشاله استفتاء كردستان، ولكن السؤال هنا: هل وطّد ذلك التكامل الوطني في العراق؟ هل سحب السنة من دائرة التهميش والإقصاء إلى دائرة المشاركة الوطنية المتساوية إلى جانب الشيعة والأكراد في بناء "عقد اجتماعي جديد"؟ هل جعل صفة "عراقي" تتقدم على صفة الكردي والشيعي والسني والتركماني...؟ نجاح العراق في ذلك قد يكون مثالاً مُلهماً.
لا بدّ من مقاربة عاقلة لتسوية الأزمات الثلاث سابقة الذكر في بداية المقال، أو معالجتها وتفكيكها في إطار مشروع سياسي جامع. لقد كانت للولايات المتحدة بعد غزو العراق أخطاؤها الكبيرة بالتأكيد، لكنّ هذا لا يشرح الحكاية كلها، ثمة علل محلية عميقة وبنيوية سابقة على التدخل الأميركي، والإيراني، ولم تتمكن القوى المحلية من تجاوزها حتى الآن، وفي صلبها حل أزمة الهوية ببناء دولة المواطنة المتساوية. في هذه الساحات تكمن الانتصارات الحقيقية، وهو ما نتمناه، بالطبع، لأشقائنا في بلاد الرافدين.
 لقد كان من الانتقادات التي وجهها نيجرفان برزاني للعبادي قوله إنه ينبغي ألا يتعاطى مع إقليم كردستان بوصفه من "حزب الدعوة"، بل بوصفه رئيس الحكومة الاتحادية في العراق. مثل هذا الانتقاد قد يوجهه سنة في العراق إلى العبادي، الذي لا يحظى أيضاً بإجماع في المجتمع الشيعي العراقي. لعل هذا الأمر معوق أساسي في التأسيس لوطنية عراقية يبدو العبادي اليوم من أكثر السياسيين المحتملين لقيادتها. وشبيه بقول نيجرفان ما أبداه مقتدى الصدر مؤخراً، ومن قبله أسامة النجيفي من رغبة في "شراكة أكثر عمقاً وأن يكون للسيد العبادي حزبه المستقل"، وفق النجيفي.