الصف الأول.. عالم جديد يثير خوف الطفل وذويه

منى أبوحمور

عمان- قلق وتوتر كبيران يسيطران على الثلاثينية ميساء التميمي التي سترسل ابنتها ولأول مرة إلى المدرسة بعد أن قضت خمس سنوات برفقتها بين المنزل، التسوق واللعب في الحدائق العامة.
تقول “مجرد التفكير بأنها ستذهب إلى المدرسة يوترني ويجعلني أبكي بالرغم عني”، مستهجنة في الوقت ذاته تلك المشاعر السلبية التي تسيطر عليها عندما تفكر بأن طفلتها ستنطلق إلى عالم لاتعرف به أحدا.
“عالم مجهول بانتظار طفلي الصغير، الذي سيدخل إلى المدرسة لأول مرة”.. هكذا عبرت العشرينية ابتسام ياسين التي ما إن تضع رأسها على المخدة حتى تتراءى لها دموع طفلها وهو يقف وحيدا في ساحةالمدرسة. ولا تنفك ابتسام تفكر بهذا اليوم العصيب على ولدها، معتقدة أن خوف ابنها من المدرسة حالة مرضية أو مشكلة كبيرة لن يتخلص منها طيلة عامه الدراسي، الأمر الذي شكل لها هاجسا يقلقها.
في حين أن التوتر الذي يعيشه الطفل حاتم محمد (6 اعوام) الذي يرفض حتى فتح سيرة المدرسة أمامه، وفي كل مرة تحاول فيه والدته أن تحببه بالمدرسة وبأجوائها، حتى يبدأ بالصراخ.
ويترجم حاتم خوفه وقلقه في رفضه الذهاب لرؤية مدرستة الجديدة، التي سجله فيها والداه، متجاهلا كافة الإغراءات التي قدمت له، “لا احب الابتعاد عن ماما”.
وبدموع حارقة وخوف سيطر على تقاسيم وجهها عبرت ليان محمد (6 اعوام) عن خوفها وحزنها الشديدين لذهابها للمدرسة، معاتبة والدتها “صح أنا حبيبتك لا تخليني أروح على المدرسة”.
ليان التي لم تخض تجربة الذهاب إلى المدرسة من قبل قطعت وعدا لوالتدها “ما راح أغلبك مرة تانية”، معتقدة أن ذهابها إلى المدرسة عقابا لها على ذنب اقترفته، خصوصا وأنها لم تعتاد على فراق والدتها منذ الصغر.
الثلاثينية شروق أبوحويلة، بدأت معاناتها عندما قامت بتسجيل ابنتها الصغيرة في النادي الصيفي، تمهيدا لذهابها إلى المدرسة على السنة الجديدة. وتعتقد أن ذهابها إلى النادي، ربما عزز من شخصيتها، إلى جانب كسر هاجس الخوف لديها من المدرسة.
لكن الوضع يختلف نوعا ما مع الأربعيني علي أبوحنك، الذي استنزف كل الطرق والوسائل لإقناع ابنه الصغير للذهاب معه إلى المدرسة التي يود تسجيله بها، وخصوصا أن ابنه يسمع تجارب اشقائه السلبية عن المدرسة، ما شكل لديه خوفا كبيرا، خصوصا حالة الرعب التي يعيشها إخوته فترة استلام النتائج الدراسية.
وتؤكد معلمة الصف الأول في إحدى المدارس الحكومية، نوال الوشاح، أن غالبية الأطفال يشعرون بخوف شديد أثناء ذهابهم إلى المدرسة للمرة الأولى، في حين أن هناك بعض الأطفال الذين لا يواجهون أي مشكلة، بل تمر بسلام إلى حد ما عليهم.
وتشير إلى أن خوف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى، ليس بالأمر الجديد، بل نواجهه في بداية كل سنة؛ حيث ينتج عن انفصال الطفل للمرة الأولى وبشكل مفاجئ، عن كل الأشياء التي اعتاد القيام عليها؛ خصوصا عن أهله، الأمر الذي يزيد من مخاوفه.
“خبرة المعلمة واتساع تجربتها يجعلانها قادرة على تجاوز هذه الفترة”، وفق ما تقول الوشاح، لافتة إلى أن مساعدة الطفل على تجاوز هذه المرحلة ليست بالأمر الهين، وهذا يتطلب جهدا مشتركا من قبل المدرسة والبيت.
وتؤكد ضرورة سعة صدر المعلمة وتفهمها لوضع الطفل وخوفه، ومحاولة امتصاص قلقة، وذلك من خلال الحديث معه برفق ولين، ومحاولة إشعاره بأن كل الموجودين في المدرسة يحبونه، وأنهم وجدوا لمساعدته وراحته.
وترى الوشاح ضرورة اعتياد الطفل على المدرسة قبل البدء بالدراسة من خلال الالتحاق بالنادي الصيفي، الذي تقيمه المدرسة من خلال زيارتها عدة مرات قبل بداية العام الدراسي.
وتقول “إن مراعاة ما سبق، يترك لدى الطفل انطباعا حسنا عن مدرسته المستقبلية، وتصبح المدرسة بالنسبة له مكانا للراحة والأمان والمتعة”.
وتعتبر أن على الأهل أن يكونوا متعاونين مع المدرسة، لافتة إلى أنه في حال بقي الطفل متمسكاً بأهله ومتعلقاً بهم إلى أقصى درجة في كل صباح، فيجب عليهم أن يودّعوه بشكل سريع لدى وصوله إلى المدرسة وتسليمه لمعلمته، التي يمكنها بخبرتها أن تهتم به بشكل جيد، وجعله ينسى خوفه، ويترك البكاء للمشاركة في النشاطات المفضلة لديه مع رفاقه الجدد.
ويشير التربوي الدكتور عماد الدين خضر، إلى أن قلق الانفصال أو سيكولوجية الرفض المدرسية، الذي يحدث لدى الأطفال دون السن المدرسية، يظهر عند الإناث أكثر من الذكور، نظرا لمشاعرهن الرقيقة وشدة تعلقهن بالأهل.
ويرجع خضر، خوف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى إلى عدة أسباب، متمثلة في الحماية الزائدة للطفل من قبل والديه، خصوصا من قبل الأم، واحيانا عسر العلاقات الاجتماعية، التي يتسبب بها الوالدان؛ حيث يمنعان الطفل من اللعب مع أولاد الجيران لأسباب خاصة بهم.
ويرى أن مثل هذه السلوكات تنشئ طفلا فقيرا في العلاقات الاجتماعية، ولديه ضعف في التكيف الاجتماعي مع أقرانه، مكملا الأسباب بالخبرات المؤلمة، التي يسمعها الطفل من إخوته عن المعلمين والواجبات المدرسية، وبعض السلبيات الأخرى، خصوصا وأن الأطفال بطبيعتهم ينقلون الأفكار السلبية
ويقول:”يفترض في أي عائلة تهيئة ابنها قبل ذهابه إلى المدرسة بأشهر، وإعطائه صورة إيجابية عن الصف والمعلمات والرحلات ومتعة التعلم والكتابة، وبيان إيجابيات المدرسة وإشراكه بإحضار الأدوات المدرسية”.
ويرى أن على الآباء زيادة اعتبار الذات لدى اطفالهم من خلال رفع ثقتهم بانفسهم والاهتمام بهم وتدريبهم على تحمل المسؤولية.
وينصح بضرورة اتباع استراتيجية للتعامل مع الأطفال من قبل الأهل، حتى يتمكن الطفل من تجاوز هذه المرحلة من خلال الخطوات الآتية:
- عدم ضرب الطفل لرفض ذهابه إلى المدرسة؛ إذ يشكل لديه هذا الأمر خبرة سلبية، والتي لن تزول طوال عمره.
- إرسال الطفل في أول يوم لفترة قصيرة، وبقاء والدته معه داخل الصف، لفترة لا تزيد على ساعة ثم العودة به إلى المنزل، وتعزيز فكرة الذهاب إلى المدرسة لديه لمدة ثلاثة أيام تقريبا.
- الالتزام بإرسال الطفل للفترة نفسها، مع مغادرة والدته، وعدم بقائها معه في الصف على أن تبقى في الجوار وزيادة فترات الانفصال في الفترات المقبلة، مع الاستمرار بالابتعاد تدريجيا حتى يتم الانفصال تماما.
ويعتبر اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، خوف الطفل من الذهاب لأول مرة إلى المدرسة أمرا طبيعيا، بوصفها خبرة جديدة يرى فيها أشخاصا جددا غير معروفين بالنسبة إليه، إضافة إلى انفصال الطفل عن والديه، مما يضطره للابتعاد عن أهله.
ويرى مطارنة، أنه لابد من تهيئة الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة وتسجيله رسميا، وربط فكرة المدرسة لديه بالمتعة والترفيه قبل بدء الدراسة، وهذا يعزز الشعور بالأمن والاطمئنان لديه، ويولد لديه شعورا بأنه من هذه المؤسسة، وأنها لن تكون سببا في فصله عن أهله وبعده عنهم.

اضافة اعلان

[email protected]