الصمت بقوة القانون مرة أخرى

قبل ما يقارب السنتين كتبت مقالًا نُشر في صحيفة الغد الأردنية بعنوان “الصمت بقوة القانون”، أشرت خلاله إلى ما ورد في أحد أحكام المحكمة الدستورية العليا في مصر والصادر العام 1995م، والذي جاء فيه: “وحيث أنّ المشرع وكلما تدخل بلا ضروة لتقييد عرض آراء بذاتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها، كان ذلك صمتًا بقوة القانون في شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازًا، مائلًا بالقيم التي تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التي تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها”. وتساءلتُ في حينها، هل يمكن لقانون من المفترض أن يعبر عن إرادة الأمة ويصدر من رحمها- من خلال ممثليها- أن يقف عقبةً في وجه ممارسة حريةٍ تعدُّ القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي وأكثرها تأثيرًا في تغيير السياسات الخاطئة والوقوف في وجه الفساد وممارسة الرقابة الشعبية تثبيتا لمبدأ سيادة الأمة والذي يعد من المبادئ الدستورية الثابتة والأصيلة والجوهرية. هل يمكن لقانون يستند في أصوله ومرجعيته لدستورٍ يقرُّ الحق في حرية التعبير بمختلف الوسائل أن يفرض صمتًا على المخاطبين به بما يصدّ الأفراد عن ممارستها، فيحول ذلك دون ظهور ضوء الحقيقة في العديد من القضايا! أعود مرةً أخرى لاستذكار هذه العبارات في خضم الجدل الدائر حول مشروع قانون معدل لقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وتحديدًا البند المتعلق بتجريم كل من أقدم أو تداول معلومات كاذبة بحق أي شخص طبيعي أو اعتباري أو أي من جهات الإدارة العامة عن ارتكابه أي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها بقصد الإضرار بسمعته أو النيل من مكانته أو مركزه الاجتماعي لتحقيق منفعة شخصية مباشرة له أو لغيره. ما يكشف عنه هذا النص هو أن فلسفة الحق في حرية التعبير ما تزال غائبة، وأن المنهجية المتبعة فيما يتعلق بهذه الحرية على الصعيد التشريعي وإشكالياتها ما تزال قائمة؛ وهذا ما يتبين من خلال الاستمرار في اللجوء إلى العبارات الفضفاضة، واستحداث نصوص من باب لزوم ما لا يلزم في ظل وجود منظومة قانونية كافية لمعالجة أي تجاوزات تمس كرامة الأفراد واعتبارهم وسمعتهم، لا بل أن العديد منها يوسع من نطاق الملاحقة الجزائية ابتداءً. في العام 2011م، تم استحداث نص مشابه في قانون مكافحة الفساد في حينه وتم الدفع به إلى مجلس الأمة، يتضمن تجريم كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص او ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيًا من أفعال الفساد المنصوص عليها في القانون ذاته، أدى إلى الإساءة بسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته. وفي ذلك الوقت ردّ مجلس الأعيان هذه المادة المقترحة على اعتبار أن مكانها التشريعي الصحيح ليس في مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد. والتساؤل الذي يطرح اليوم لماذا نعيد الكرة مرةً أخرى ونصر على استحداث مادة شبيهة في الوقت الذي سبق الفصل تشريعيًا في هذه المسألة العام 2011م! في ظل موافقة مجلس النواب بالأغلبية على إعادة مشروع قانون معدل لقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إلى اللجنة القانونية في المجلس وذلك من أجل فتح حوار موسع حول التعديلات المقترحة مع الجهات كافة، لا بدّ من أن نتذكر دومًا أنّ الطريق نحو السلم المجتمعي والأمن القومي بمفهومه الواسع هو في ضمان الفرص المتكافئة للحوار وفي الحفاظ على قدرة الأفراد على ممارسة الرقابة والسعي نحو أن تكون حرية الصحافة والإعلام ركيزةً أساسيةً تضمن الكشف عن الفساد وتوفي بالتالي بحق الجماهير في المعرفة.اضافة اعلان