الصوت الواحد = الهاوية

إذا التف من يقفون وراء الصوت الواحد من جديد على قانون الانتخاب الجديد وأعادوا تدوير قانونهم مع تحسينات تتعلق بالقائمة الوطنية فإننا نغذ الخطى نحو الهاوية. لا يمكن تخيل المشهد في ظل دعوات التصعيد والمواجهة من المعارضات التقليدية، وحال من العنف الاجتماعي الذي يتفجر بلا مناسبة ولأتفه الأسباب ويتغذى من روافد غضب اقتصادية وسياسية. ولا يهدّئ من المخاوف استرخاء الحكومة وثقتها العالية بالقدرات الأمنية الخارقة المتاحة لنا، معطوفا عليها الصبر المديد للمواطن الأردني فائق الدماثة والاحترام والهدوء.اضافة اعلان
شخصيا، وللأمانة لا أعرف "من" الذين يقفون اليوم وراء الصوت الواحد بشكل انتحاري وكأنه شرف وطني ترخص دونه الأرواح. مع أن إنتاجه في العام 1993 كان بدعم معلن من السفير الأميركي آنذاك. وفي لقاء الملك الراحل مع الأعيان وقفوا جميعا ضده باستثناء واحد. واليوم يقال لنا إن الأكثرية معه.
للأسف، تتدخل أجهزة في الدولة في عمل مركز الدراسات الاستراتيجية، ولم يعد يتحلى بالاستقلالية التي تمتع بها منذ خمسة عشر عاما، واستطلاع الصوت الواحد جرى في ظروف تنفي عنه كثيرا من الاستقلالية، وبالعودة للاستطلاعات السابقة للمركز فإنها تظهر أن الناخب يجهل الأنظمة الانتخابية وعندما يعرف بها فإن الأكثرية مع القانون الدستوري المعروف بقانون 89. ولا أفهم هذه الانتقائية، وإن كانت الدولة تسير أمورها وفق استطلاعات الرأي فلماذا تبقى الحكومة في وقت حصلت على أدنى ثقة في تاريخ الاستطلاعات الأردنية في وقت كانت فيه شعبية عون الخصاونة في ارتفاع؟
   القضية ليست استطلاعات رأي، القضية إن "من" يقفون مع الصوت الواحد لا يريدون إصلاحا ولا ديمقراطية. فهم بليلة ليس فيها ضوء قمر وقفوا مع قانون الدوائر الوهمية وتخلوا عن البقرة المقدسة ممثلة بالصوت الواحد. وهم ذاتهم الذين لم يتورعوا عن  ارتكاب أسوأ أشكال التدخل والتزوير الذي وثقته تقارير وطنية ودولية وبات الحديث حوله علنيا تحت قبة مجلس الأمة.
للتذكير حجم العنف الاجتماعي في آخر انتخابات لم يكن مسبوقا في اتساعه وفي نوعيته. مع أنها جرت في ظل انضباط أمني واستكانة شعبية سبقت الربيع العربي. اليوم لم يعد الانضباط الأمني موجودا في ظل تمرد شعبي. لن يكون عنوان الانتخابات المقبلة، إن جرت وفق قانون الحكومة، المقاطعة الواسعة، بل سيضاف لها العنف الاجتماعي. عندما قاطع الإسلاميون انتخابات 1997 و2010 تدنت نسبة المشاركة ( دع عنك الأرقام المزورة) بشكل كارثي في المدن. واقتصرت الزيادة على الأطراف التي شهدت مشاركة لأسباب اجتماعية لا سياسية.
 وللتذكير في انتخابات 89 لم تسجل حالة عنف واحدة، لأن المنافسة كانت سياسية، وعندما غابت السياسة في 2010 حضر العنف، فالسياسة وسيلة اخترعها البشر قبل ظهور الدولة الأردنية لإدارة الخلافات بشكل سلمي. واليوم تعيدنا الحكومات الرشيدة إلى مرحلة ما قبل الدولة عندما كنا عشائر تعتمد الغزو والاحتراب نمط حياة. حسنا لم نتحدث عن مرسي الذي أزاح الحرس الرئاسي ليواجه مليون متظاهر بدون واقي رصاص، ولم نتحدث عن اختفاء البلطجة في انتخابات مصر بعد ثورة 25 يناير. فالديمقراطية تحقق الأمن لا الفوضى. والأمن الذي يحققه الاستبداد هو أمن زائف ينهار مع أول هزة.

[email protected]