الصورة قاتمة.. تخفي أكثر!

في أقل من عام، تشهد جامعة مؤتة مشاجرة عشائرية واسعة (يشير المسؤولون في الجامعة أنّها على خلفية الانتخابات الطلابية)، لتمتد أحداث الشغب بعد ذلك إلى قرية فقوع (لاتهام الأمن بالانحياز لطرف في المشاجرة!)، وتصل شرارة الأحداث المؤسفة إلى كلية الكرك (التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية).اضافة اعلان
بدأت التداعيات المعاكسة عبر إصدار بيانات من عشائر ومثقفين في الكرك يرفضون فيها هذه الأحداث. وكان من المفترض أن يصل وفد نيابي أمس إلى الجامعة، لـ"التوسط" بين الطلبة المتشاجرين وإنهاء الموضوع، قبل أن يتطوّر خارج أسوار الجامعة ويأخذ طابعاً اجتماعياً وعشائرياً خطراً. وبالطبع، خلال هذه الفترة علّقت الجامعة الدوام لمدة تصل إلى ثلاثة أيام، حتى يوم أمس، بانتظار ما ستسفر عنه التطوّرات والوساطات!
بالضرورة، لا نتوقع أن تنتهي وساطة النواب، في أحسن الأحوال، إلاّ إلى تطييب خواطر "أبناء العشائر" والحلول الاسترضائية والتخجيل والقيم العشائرية، لأنّ هذا هو الحل الوحيد المتاح، طالما أنّ الجامعة وصلت إلى هذا المنحدر المرعب، ولم تعد بيئة للتعليم والتنوير والقيم الحداثية، بل بيئة جاذبة لكل أمراض المجتمع وأزماته!
بالنتيجة، سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، بدون أن نصل إلى حلول جذرية؛ ليختفي العنف الجامعي والاجتماعي ويصعد، وحالة الجامعات تتدهور، واستراتيجيات تكتب بلا أي مردود حقيقي واقعي لها، وكأنّنا نمارس ترفاً في إضاعة الوقت وإنكار حجم مرض السرطان الذي ينهش جامعاتنا ومستقبلنا، ولا نملك حقّاً أن نبدأ علاجاً صعباً قاسياً لإنقاذ هذه الجامعات، وإخراج التعليم العالي الأردني من حالة الاحتضار التي تحدّث عنها، قبل أعوام، أحد أعمدة الجامعات، د. محمد عدنان البخيت، لكن بلا جدوى أو أذن مخلصة تنصت له ولغيره ممن تعتصر قلوبهم على الجامعات، وهم ممن بنوها بعزم وكدّ، ويرونها تقتل بدم بارد أمام أعينهم!
إنّنا نخسر التعليم العالي بجدارة، على صعيد النزف المستمر للعقول الأكاديمية إلى دول الخليج، تحت وطأة الإحباط مما آلت إليه الجامعات، وطلباً لظروف مالية أفضل بسبب التدهور المستمر في أحوالها. ونخسره تحت وطأة السياسات الرسمية التي لعبت بالجامعات مثل الكرة، خلال الأعوام الماضية؛ فكان رؤساؤها يغيّرون كما يتم تغيير عامل من الدرجة العاشرة، وافتقدت استقلاليتها وخضعت للاعتبارات السياسية والأمنية.
إنّنا نخسر التعليم العالي تحت وطأة الضخ الجائر لعشرات الآلاف من الطلبة الذين يأتون من خارج القبول الموحّد، في هدم علني وسافر لقيمة العدالة ومبدأ المساواة في الفرص. كما نخسره بسبب أعداد كبيرة من التعيينات لموظفين إداريين خارج إطار الكفاءة والحاجة، وفق معايير إقليمية وجهوية، في أغلب جامعاتنا، لاسترضاء النواب، في سياق العلاقة المختلة ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية!
إننا نخسر التعليم العالي، لأنّ الحكومات تتعامل معه وكأنّه أمر ثانوي، فتجفف منابع تمويله، وتضنّ عليه بالأموال والدعم، وتعاقب الجامعات على ما قامت به هي من فظائع عبر أعداد الطلبة المبالغ فيها وحجم الموظفين الهائل، بدون أن تتنبّه الحكومات إلى أنّها بذلك تجفّف آبار النفط الأردنية؛ أي العقول المبدعة المؤهلة التي شكّلت، وما تزال، الثروة الحقيقية لنا في المنطقة، وأحد أهم مصادر تحريك الاقتصاد الوطني!
العنف الجامعي هو نتيجة وليس سبباً، ولم يأت من فراغ. وإذا بقينا ندفن رؤوسنا في الرمال كي لا نرى خطورة المشهد، فلن نصحو غداً إلا على صورة أكثر قتامة!