الصوماليون: هاربون من رمضاء الجوع إلى نار اللجوء

صوماليات هاربات من الجوع إلى مخيم "داداب" للاجئين في كينيا - (أرشيفية)
صوماليات هاربات من الجوع إلى مخيم "داداب" للاجئين في كينيا - (أرشيفية)

صمويل ليووينبيرغ — (مجلة تايم) 3/8/2011  

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

ظللنا نقود سياراتنا حول أضخم مجمع للاجئين، متأخرين عن موعد للقاء مسؤولي إحدى المنظمات غير الحكومية، عندما تهنا وسط ما يبدو أنه صفوف غير منتهية من الأكواخ المهلهلة المبنية من العيدان والرزم البالية من منظمات المساعدات. ويجعلني سائق السيارة متوتراً عندما يحملق بتهور في النساء المرتديات الحجاب والأولاد عراة الأقدام والرجال الذين يسوسون عربات الحمير، والذين يتنقلون عبر الطرقات الضيقة من رمال الصحراء. ويبدو الحارس المستأجر، الجندي الذي يقوم بالعمل الإضافي، في يسر من أمره، يتحدث بصوت عالٍ عبر هاتفه النقال فيما هو يتأبط رشاشه بيده الأخرى.اضافة اعلان
ونتوقف، مدركين أننا قد تهنا، عند شجرة جفت تماماً على حافة مخيم "هاغاديرا" للاجئين، وهو واحد من ثلاثة في مجمع "داداب" في شرقي كينيا، عندما ظهر رجل متجهاً نحوي وهو يصيح طالباً وبإلحاح تقديم المساعدة له. وما يحدث تالياً ليكون بمثابة مثال للأزمة التي عصفت بهذا الجزء من البلد، والذي أصبح راهناً الملاذ الآمن لعشرات الآلاف من الناس الهاربين من أسوأ مجاعة عالمية، المجاعة التي عمت الصومال المبتلى أصلاً والممزق بالحرب، وهي الأزمة الناجمة عن أسوأ جفاف يضرب المنطقة في غضون ستين عاماً.
يقول لي الرجل، وهو عامل مساعدات يدعى "ماش"، إن هناك امرأة أنجبت لتوها أصيبت بنزيف دماغي، وأنها تحتاج لنقلها إلى المستشفى في الحال. وكانت المرأة، وتدعى السيدة حسن، قد وصلت لتوها إلى المخيمات بعد أن سارت على قدميها لمدة أسبوعين -وهي واحدة من عشرات آلاف الهاربين من الصومال إلى داخل كينيا. وكانت معها أم جديدة، بالكاد تبدو حول العشرين من العمر وهي تهدهد طفلها الذي يبدو أنه يعاني من حالة سوء تغذية شديد. ولم تكن ثمة سيارة إسعاف متوفرة.
صعدنا إلى السيارة واتجهنا إلى المستشفى، لكننا علقنا بعد عدة دقائق في الرمال. ولا يبدو أن السائق، الذي كان بديلاً مفاجئاً لسائقي المحترف في اليوم السابق، وأنه يتوافر على خبرة في الظروف السائدة في خارج طريق المخيم. ويحاول مارة مساعدتنا في دفع السيارة التي كانت إطاراتها تدور وحسب. وفي الداخل تجلس المرأتان بهدوء وقد اكفهر وجهاهما ولم يعودا يظهران سوى القليل من التعبير. وانتابني الذعر. وكانت سيارتنا تتحرر ثم تعلق مرة أخرى، ونحفر لإخراج الإطارات، وندفع، وتتحرك سيارة الدفع الرباعي مرة أخرى.
يواجه الآف الصوماليين أزمات صحية مشابهة، ويجبرون على الدفاع عن أنفسهم. وهم يواجهون رحلة موحشة خطيرة حيث لا يوجد إلا القليل من المياه والطعام. ووفق منظمة أطباء بلا حدود، يعاني كل واحد من أصل ثلاثة أطفال واصلين حديثاً من سوء تغذية حادة. وبمجرد أن يصل اللاجئون إلى المخيمات، فإنهم يجدون أنفسهم وهم يواجهون كفاحاً جديداً كلية: فقد كانت المخيمات قد أقفلت منذ العام 2008 بسبب الاكتظاظ الشديد. ولأنها امتلأت نتيجة للنزاع الصومالي في العقدين الماضيين، فهي تعج حالياً بأربعة أضعاف طاقتها الاستيعابية. وأمام ذلك، يترك القادمون لينتهي بهم المطاف في أطراف المخيمات. وثمة أكثر من 380.000 شخص في المخيمات وأطرافها. كما يترك القادمون الجدد الذين يصلون بمعدل يصل إلى 1.400 شخص في اليوم ليبنوا مآويهم الخاصة في الصحراء وعلى حواف المخيمات المؤسسة أصلاً. وقد وصل عددهم إلى أكثر من 70.000 لاجئ. وعلى الرغم من الجهود البطولية التي تبذلها المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، فثمة الكثير من الناس الذين لا يستطيعون الوصول إلى مياه نظيفة ودورات المياه، ولا للرعاية الأمنية والصحية. وقد شرعت وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في نقل الناس المتواجدين في الأطراف إلى معسكر خيام جديد، لكنه لا يتوقع الانتهاء من بنائه قبل حلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وفي الأثناء، تقول التقارير الإخبارية الواردة من الصومال إن الجماعة الإسلامية المتشددة "الشباب" تمنع الناس الجياع من الهروب إلى خارج البلاد.
ويقول مسؤول كبير في حملة المساعدات إنه في الوقت الذي تشعر فيه منظمته بالامتنان لسماع وعود بتقديم مساعدات بملايين الدولارات من الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان الثرية في أعقاب التغطية الإعلامية الأخيرة للأزمة، فإنه لأمر محبط جداً أيضاً أن الأزمة ما تزال قائمة منذ العديد من السنوات. وكان قد تم التنبؤ بمداهمة الجفاف منذ نحو العام. ويقول أيضاً إنه لا داعي للفوضى التي تجري راهناً: "إنها المماطلة التي يمارسها الجميع في العالم: إنهم ينتظرون إلى أن تفلت الأمور من زمام السيطرة".
كانت المخيمات مكتظة بالنزلاء على نحو سيئ لسنوات. وكانت تستقبل نحو 10.000 لاجئ كل شهر –وهو أصلاً عدد ضخم. لكن وسائل الإعلام، والساسة، لم يأخذوا علماً بما يجري إلا عندما صعد ذلك العدد الشهري إلى 30.000 لاجئ في شهر حزيران (يونيو) الماضي. وقال مسؤول المساعدات المخضرم حول المخيمات والذي لم يكن مخولاً بالتحدث علانية: "إنهم يحضرون عندما يستطيعون في الحقيقة مشاهدة الحالة وحسب... وهم يريدون رؤية ما إذا كان ثمة أطفال يعانون من سوء التغذية".
 وتفضي الموجة الراهنة من انتباه وسائل الإعلام والجهات الدولية المانحة إلى التزام بملايين الدولارات التي تمس الحاجة إليها، لكن هذه كانت أزمة طويلة الأمد، والتي لم ينتبه لها العالم إلا مؤخراً. وقال وليام سبيندلر، الناطق بلسان المفوض السامي لشؤون اللاجئين في مجمع اللاجئين في داداب: "لسوء الطالع، لا نتحصل على الدعم والاستجابة من المانحين إلا بعد أن يشاهدوا ذلك في وسائل الإعلام". ولو كان المانحون قد تصرفوا في حينه لكان بإمكان وكالات الإغاثة أن تزيد من عدد الموظفين وتخزين المزيد من الإمدادات، وتشكيل مراكز استقبال أقرب إلى الحدود الصومالية -كل الأشياء التي كان من شأنها تخفيف الأزمة الفوضوية الراهنة.
ثمة الآن أعداد هائلة من اللاجئين: أكثر من30.000 لاجئ ممن يترتب عليهم الانتظار لمدة أسبوعين ليتم تسجيلهم -ما يعني عدم حصولهم على مأوى وحصص غذاء. وكان شح الموارد على نحو حاد قد تسبب في زيادة تراوحت بين ثلاثة إلى ستة أضعاف في وفيات الأطفال. وقال سبندلر الذي أشار إلى أن المشكلة تنبع من مزيج من التمدد المفرط لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة والوضع السيئ بشكل خاص للاجئين الواصلين.
يقر مسؤولو المساعدة الأميركيون بحنقهم من المستوى الحالي من الفوضى، ويقولون إن الحاجة تمس إلى بذل جهود تنموية طويلة الأجل للحؤول دون تكرار نفس الشيء مرة أخرى. ومن جهته قال راجيف شاه رئيس وكالة المساعدات الأميركية "يو اس ايد" اثناء زيارته لمركز تسجيل للاجئين لمجلة تايم: "نحن نعرف أن الكلفة لتقديم دعم زراعي فعال ولمساعدة المجتمعات في كسب أمان غذائي هي عشر كلفة تقديم غذاء في وقت المجاعة-لكننا مع ذلك نقف في هذا المكان، نقدم الغذاء في وقت المجاعة". وأضاف: "وإذن، فإننا نعمل بجهد- لكن هذا التغيير لا يتم بين عشية وضحاها". وكان شاه يقوم بزيارة إلى معكسرات لجوء داداب للإعلان عن منحة بقيمة 28 مليون دولار لأزمة اللاجئين. (وكانت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد قالت إنها تحتاج إلى مبلغ إضافي يصل إلى 145 مليون دولار للتعامل مع الأزمة).
وفي الأثناء، تحتشد عشرات من اللاجئين خارج بوابات مركز الاستقبال في انتظار الدخول. وقد استطعنا في النهاية الوصول إلى المستشفى. وعلى الرغم من التأخير، تتلقى السيدة حسن وطفلها العلاج المناسب في الوقت المناسب. وفي اليوم التالي، أتلقى رسالة نصية من "ماش"، موظف المساعدات. ويقول في الرسالة إن السيدة حسن هي الآن في وضع مستقر -وكذلك حال طفلها الذي يعاني من سوء التغذية. وقال: "أشكركم للدعم الذي قدمتموه. فالأم وطفلها مستقران تماماً.. وأنا مسرور لأننا أنقذنا حياة أناس".
*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: Escaping from Somalia's Famine into a Perilous Refuge.

[email protected]