الصومال: مجاعة العار البشري

لم تشكل افريقيا على مدار مجاعاتها وحروبها المريعة، في القرن الماضي وبداية العقد الحالي، الا حالة استجداء مذلة ومهينة لشعوب قارة، تمتلك ثروات تجعلها مخزن طعام البشرية، ومحطة ثروات لو تمكنت شعوبها من الاستفادة منها، لتوقف جوعها المزمن، ولأضحت تنافس أوروبا على مستوى التنمية والتقدم. اضافة اعلان
بيد ان قدرا إغريقيا مريعا، يتحكم بمصائر أبناء هذه القارة التي لا تهرب من استعمار، الا لتدخل في حرب اهلية طاحنة، او في مجاعة تهلك الضرع والزرع، وتجعل شعوبها تستجدي اللقمة، وتتسول العيش ولو ببيع نفسها للشيطان، ذي العينين الزرقاوين والشعر الاشقر، الذي ما إن يسمع صوت الجوع هناك، حتى يتربص بها، وهو يمد لها جبلا من ماء وجبلا من خبز.
امام هذه الشيطنة الدولية في استغلال جوع الأفارقة، يبدو مشهد المجاعة المريعة اليوم في الصومال مخزيا على المستوى الدولي، وتبدو الامم المتحدة التي تتبنى فكرة مقاومة الجوع في تلك البلاد، أقل مما يجب ان تكون عليه، فالجوعى هناك، ليسوا بصدد انتظار مناقشة أي بروتوكولات في أروقة هذه المنظمة الأممية، لجمع ملايين الدولارات لتعين الجوعى على جوعهم.
فحالة اطفال هذا البلد، لا تبتعد عن الموت المحتم، وصفوف وطوابير النساء .. وما اكثرهن، تبدو مهينة لكرامة هذا الحنان العالمي الذي يضع هؤلاء البشر في فوهة نقاشات على مصالحه ومكتسباته منهم.
وفيما تتأخر معوناته عن الوصول الى مستقرها، يسقط خلال هذا التأخير مئات الأطفال والنساء والرجال والكهول، ليس تحت الرصاص، بل تحت ضربات الجوع والتلكؤ العالمي الذي انتظر كل هذا الوقت، لتحدث المجاعة هناك، وليمنح تجار الحروب فرصة أن ينقضوا على شعب لم يعد يجد مكانا لعيش حياة طبيعية، تمنحه القليل من الكرامة والاستقرار.
ما يحدث اليوم من مجاعة في الصومال، إدانة للبشرية جمعاء، كان يمكن منع حدوثها قبل ذاك، وكان يمكن للعالم لو أنه خال من انانياته وشهوات مصالحه، ان يقدم نموذجا فاعلا لتخليص دولة كالصومال من براثن مجاعاتها التي لم تتوقف، وحروبها التي ما تزال موتا لعينا يطارد كل صومالي.
وفي الوقت الذي تتبدد فيه أحلام فقراء الصومال بحياة شبه طبيعية، فإن بارونات الحروب وتجار الدم في هذه البلاد الذين يمولون من أنظمة مجاورة وتنظيمات لا يهمها سوى مصالحها، يقدمون للعالم وصفة جاهزة لاستغلال بلادهم، وتحويلها الى بؤرة خراب ودمار، إذ كيف لهؤلاء البارونات الدمويين ان يشاهدوا مأساة شعبهم، من دون أن يرف لهم جفن، ولم لم يفكر أي منهم بإعادة هذا البلد إلى حضرة الإنسانية، وتخليصه من زوانه الذي جعله مزقا لكل من هب ودب؟.