الصيام عن اللحم

سنجعل للصيام قيمة مضافة نفسيا ومعنويا إذا امتنعنا طوال شهر رمضان عن تناول اللحوم، وبشكل عام فإن الإنسان لا يحتاج لتناول اللحم أكثر من مرة في الأسبوع، وثمة مجتمعات كبيرة تمتنع تماما عن تناول اللحوم، ولنتصور لو أن الهنود وغيرهم ممن يلتزمون بالطعام النباتي فقط يتخلون عن اعتقادهم بضرورة الامتناع عن أكل اللحوم، ماذا سيحدث للبشرية والكرة الأرضية؟

اضافة اعلان

عندما كان أسلافنا من الأراميين يلتزمون بالامتناع عن تناول المنتوجات الحيوانية في فترة الربيع، وما يزال بعض المسلمين في بلادنا يطبقون هذه العادة، ولكن أعدادهم انخفضت وأصبحوا نادرين والصيام المسيحي يواصل الفكرة نفسها، فقد كانوا ينشئون توازنا مع البيئة والموارد يسمح باستمرار ونمو الثروة الحيوانية والاستفادة مما تنبت الأرض في فصل الربيع.

ويمكن بعادات غذائية قائمة على تناول 150 غراما من اللحم أسبوعيا الحصول على قدر كاف من الاحتياجات الغذائية، ويمكن للبدائل الغذائية من النباتات والأسماك توفير نفس الاحتياجات.

وبالطبع فإن عددا كبيرا من المواطنين سوف يسخرون بألم وحسرة من دعوات مقاطعة اللحوم الحمراء لسبب بسيط، وهو أن اللحم يقاطعهم ولا يجدون فرصة لتناوله أكثر من مرة في الأسبوع، وهم مجبرون على ذلك، ولكن الفئة الأخرى المعنية بالدعوة تستطيع بمقاطعتها للحوم أن تساهم في تيسير حصول الفقراء على اللحم عندما تنخفض أسعاره إلى درجة معقولة ويصبح في متناول قدراتهم المالية.

الحديث موجه إلى فئة من المواطنين تستهلك أكثر من حاجتها، وتهدر الكثير من الطعام سواء بتناول كميات كبيرة منه أو بالتخلص منه في حاويات النفايات، ثم تهدر موارد إضافية على برامج التنحيف.

والغريب أن ثلاثة أرباع المواطنين يعانون من زيادة الوزن، وهذه حقيقة مرعبة وتؤدي إلى القلق، فهي تؤشر أولا على استهلاك زائد للموارد والغذاء، ويؤدي هذا السلوك إلى متوالية من الخسائر، منها الإضرار بالموارد نفسها وهدرها، والإصابة بأمراض كثيرة، تؤدي إلى ضعف الصحة وضعف الإنتاج وزيادة الإنفاق على العلاج، وفي المقابل فإن عادات ترشيد الطعام ستؤدي إلى متوالية من المكاسب، تبدأ بالمحافظة على الموارد وتنميتها، ثم الصحة وما يتبعها من سعادة وتوفير وزيادة في العمل والموارد والإنتاج.

وربما يساعد التقليل من أكل اللحوم في تحقيق متوالية أخرى غير مرئية من النتائج الإيجابية، فليس مستبعدا أن يكون ثمة رابط بين السلوك المتوحش والاستفزازي في الطرق والعلاقات والحياة اليومية وبين العادات الغذائية، وأتوقع أن تخفيف اللحوم سيؤدي إلى سلوك معتدل يقلل من حوادث المرور وتوتر القيادة والأزمات والضغوط في العلاقات والحياة اليومية في العمل والبيوت، وربما يقلل من التشدد الديني أيضا، فالتشدد بجميع أشكاله وتعبيراته مرتبط إلى حد كبير بالسلوك الغذائي وعادات الإنسان ونظرته إلى نفسه واحتياجاته.

يجب أن نعترف أن ثمة قدرا هائلا من اللهفة على الطعام لدينا ليست مرتبطة بالجوع والحاجة للطعام، ولكنها ربما تكون ذاكرة قديمة وراسخة من المجاعات والكوارث والحروب، ونحتاج لمعالجة أنفسنا منها.

[email protected]