الصين بعد كورونا تزيد قوة وجاذبية

ظهرت الصين في إدارتها لأزمة فيروس كورونا وكأنها في عملية "بروفا" لقيادة العالم، وقدمت نموذجا مهنيا وسياسيا في إدارة الأزمة يرشحها لترث قيادة العولمة أو تشارك فيها على نحو مؤثر ورئيسي، فقد تعاملت الصين مع الأزمة بكفاءة مدهشة، في بناء وتجهيز العيادات والمستشفيات، وتوفير الطعام والدواء في جميع المناطق التي انتشر فيها المرض، وإدارة وتنظيم الخدمات والمؤسسات والحياة اليومية في ظل الوباء لأكثر من ألف مليون إنسان، وصولا إلى السيطرة على الوباء وبدء تراجعه.اضافة اعلان
وعلى المستوى السياسي والإعلامي فقد حافظت الدولة الصينية على الطابع الإنساني والمهني في إدارة ومواجهة الأزمة، ولم تظهر غواية نحو أبعاد سياسية أو حرب جرثومية!، وركزت في أداء مدهش ومتفوق على التوعية الصحية وتنظيم الإمداد وتدفق المعلومات والأخبار بقدر عال من التواصل الوطني والعالمي، وأظهرت مستوى تنظيميا ومعرفيا ومتقدما في إدارة الأزمة، وتحمل جميع استحقاقاتها بكفاءة ومسؤولية عالية.
لقد عرف العالم الكثير عن الصين الدولة والمؤسسات والقدرات الفنية والتكنولوجية والدوائية، لكن ربما ما يكون أكثر إدهاشا هو كيف أدارت الصين المدارس والمكاتب والأعمال من خلال الإنترنت والأقمار الصناعية، إذ يواصل حوالي 200 مليون طفل صيني تعليمهم من خلال شبكة الإنترنت ومحطات تلفزيونية تعليمية تبث عبر الأقمار الصناعية حتى لم يبق بيت أو قرية نائية في هذه القارة الممتدة والواسعة غير مغطى بالشبكة أو البث التلفزيوني.
ذكرت آنا فيفيلد مراسلة واشنطن بوست (كما نشر التقرير في صحيفة الاتحاد الظبيانية في 22 شباط 2020) تصف إدارة التعليم عبر الإنترنت والأقمار الصناعية بأن الأطفال يواصلون دروسهم من خلال البيوت على نحو يشبه جوهريا ما يجري في المدرسة. ولهذا الغرض أدخلت وزارة التعليم الصينية فصلا دراسيا عبر سحابة إنترنت وطنية، يدعمها أكثر من 7 آلاف خادم ومصمَّمة لخدمة 50 مليون طالب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في الوقت نفسه. وتغطي الدروس 12 مادة أكاديمية، بما في ذلك "التربية الأخلاقية" و"التربية المتعلقة بالأوبئة". وفي الأثناء، يبث "التلفزيون التعليمي الصيني" برامج تعليم على الإنترنت، عبر الأقمار الاصطناعية، إلى المناطق النائية التي تعاني من ربط ضعيف بشبكة الإنترنت.
ولا شك أنها تجربة مهمة للعالم كله لمواجهة مرحلة قادمة حتما "التعليم عبر الإنترنت" وهكذا أمكن وفي سرعة قياسية ملاحظة كيف يمكن تنظيم الإدارة الفنية والتعليمية من خلال الشبكة، والدور الجديد للأسرة في التعليم.
هناك بالطبع مشكلات وتحديات كثيرة غير مألوفة، مثل مدى انتشار الحواسيب في المنازل، وقدرة الآباء على المشاركة في العملية التعليمية، والقدرة على التحكم في التعليم والعمل التعليمي، لكن الصين أدخلت العالم في مرحلة جديدة، لن يعود فيها التعليم قائما على مبان فيزيائية، وفصول يحضرها التلاميذ، وبلا حاجة لعمليات طويلة معقدة هي أشد صعوبة وتعقيدا وكلفة من العملية التعليمية نفسها؛ أقصد عمليات نقل الطلاب في الصباح من بيوتهم إلى المدارس وإعادتهم إليها في المساء، ولنتخيل ما يمكن توفيره وترشيده في العملية التعليمية عندما تتوقف الحاجة إلى المباني وصيانتها وإدامتها، والذهاب والعودة من البيوت إلى المدرسة، وإمكانية تقديم دروس نموذجية متقدمة وعلى قدم المساواة لجميع التلاميذ وبكلفة زهيدة، ويمكن تحويل الوفر في تطوير المحتوى التعليمي والمهارات الحياتية والمعرفية والأعمال والنشاطات الإبداعية واللاصفية، كما يتحول الآباء والتلاميذ إلى شركاء في إدارة وتنظيم التعليم ما ينشئ وعيا متقدما وتماسكا اجتماعيا، .. إننا نتطلع اليوم إلى الدرس الصيني كمرحلة جديدة ينتقل إليها العالم، وتبدو مليئة بالمغامرة والدهشة.