الصين تغوي إسرائيل بأموال التنمية

الرئيس الصيني شي جين بينغ يصافح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
الرئيس الصيني شي جين بينغ يصافح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)

تحليل - (مركز التوقعات الاستراتيجية) 26/10/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

من آسيا إلى إفريقيا، تقوم الصين بتحدي الولايات المتحدة حيثما أمكن. وفي الشرق الأوسط، تحاول الصين العثور على طرق لاستغلال حاجة المنطقة إلى الاستثمار لبناء علاقاتها تحت ظل هيمنة الولايات المتحدة. وتشكل مبادرة الحزام والطريق وسيلة لتحقيق هذه الغاية الاستراتيجية. وفي إسرائيل، تحاول بكين إغلاق فجوة رئيسية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. لكن علاقة أميركا الوثيقة بإسرائيل تعني أن هذه المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق.اضافة اعلان
*   *   *
لا تشبه علاقة الصين بإسرائيل أي علاقة أخرى تسعى بكين إلى تأكيدها في الشرق الأوسط. فإسرائيل هي أوثق حليف للولايات المتحدة في المنطقة، وهي تعتمد على المساعدات العسكرية الأميركية لإبقاء قواتها المسلحة متفوقة. ومع ذلك، تحاول الصين استخدام ثقل استثماراتها المالية لفتح طرق إلى داخل إسرائيل والمنطقة الأوسع. وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر)، أنهى نائب الرئيس الصيني، وانغ كيشان، زيارة إلى إسرائيل استمرت ثلاثة أيام، والتي سعى خلالها إلى توسيع نطاق مبادرة الحزام والطريق وتقويض نفوذ الولايات المتحدة. وقد أسفرت الزيارة عن تطورات قليلة جديدة في العلاقات بين البلدين -مجرد وعود بتجارة حرة وتعاون اقتصادي أوثق بين البلدين في المستقبل- لكنها ساعدت فعلياً على زيادة منسوب القلق الأميركي من تصاعد نفوذ بكين هناك.
في المدى القصير، تحاول الصين العثور على مدخل إلى التكنولوجيا الإسرائيلية والمعرفة الكامنة وراء بيئتها الحيوية الصديقة للمشاريع الناشئة. وفي المدى البعيد، تحاول بناء علاقة أكبر بغية فتح الأبواب أمام التطور الاستراتيجي في الشرق الأوسط مستقبلاً. وحتى تفعل ذلك، سيترتب عليها أن تتعامل مع علاقات إسرائيل الوثيقة بالولايات المتحدة ومع أي عقبات يمكن أن تضعها واشنطن في الطريق.
حتى تتمكن من التغلب على هذه العوائق، تستخدم بكين آفاق الاستثمار. وتريد إسرائيل الدعم المالي لدعم بناء بنيتها التحتية، بما في ذلك الموانئ في حيفا وأسدود، وأنفاق طريق الكرمل في حيفا، وقطار الترانزيت الخفيف في تل أبيب. وبالنسبة لإسرائيل، أصبحت الحاجة ملحة: فالتوقعات تشير إلى أن عدد سكانها سيتضاعف خلال 30 عاماً. كما تقدر تكلفة المشاريع المذكورة بنحو 200 مليار دولار أيضاً -وهو مبلغ كبير على بلد يبلغ إجمالي ناتجه المحلي 350 مليار دولار سنوياً. ولا يكاد الاستثمار الأميركي في البنية التحتية الإسرائيلية يذكر في الوقت الحالي، وهو يتركز في المقام الأول في قطاع الصناعات التحويلية في البلاد. وفي 21 تشرين الأول (أكتوبر)، أشار وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشين، إلى أن الولايات المتحدة تريد زيادة دعمها المالي للبنية التحتية الإسرائيلية. ولكن، إذا وعندما تفعل، فيمكن أن تكون بكين قد حققت لنفسها بداية قوية في هذا الصدد مسبقاً.
في مقابل الاستثمار الصيني، تعرض إسرائيل الوصول إلى بعض من جامعاتها عالية الأداء، وهو ما سيساعد بكين على تعزيز قطاعها التكنولوجي -الذي سيكون مفيداً بشكل خاص بينما تتصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. وقد وسعت إسرائيل أيضاً الفرص للسياحة، فقامت بتوقيع اتفاقية على تأشيرات الدخول التي تستخدم أكثر من مرة لمدة عشر سنوات مع الصين في العام 2016. كما تفيد الاتفاقية أيضاً رجال الأعمال الذين يتنقلون كثيراً بين البلدين.
مع ذلك، هناك الكثير من الاختلافات بين البلدين. فمن جهتها، تتبنى إسرائيل بقوة استراتيجية مناهضة لإيران، والتي تقوض الاستقرار الإقليمي الذي تحتاج مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى ازدهاره. وفي المقابل، كانت الصين مشترياً رئيسياً للنفط الإيراني، وداعماً بارزاً للاتفاق النووي مع طهران الذي عارضته إسرائيل بقوة. كما أن لدى الصين أيضاً عقود من التصويت ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، بما في ذلك إدانتها الأخيرة لقرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس. وقد أرادت بكين أن تبقى على الحياد في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتتوقع إسرائيل بازدياد من شركائها أن يغضوا الطرف عن المشكلة. لكن الصين تحتاج أيضاً وصولاً إلى موارد الطاقة العربية، ولذلك ربما تجد نفسها مضطرة للملاحة في قضية شائكة في مناسبات أكثر مما ترغب. ويخدم مصلحة بكين أن لديها القليل جداً من النفوذ على أي من طرفي عملية السلام بحيث يمكنها أن تخرج إلى هوامش الصراع إلى حد كبير.
كما أن سجل الصين في التجسس الصناعي وسرقة الملكية الفكرية يقلق أيضاً إسرائيل المليئة بالابتكار. وتدرس حكومتها إنشاء لجنة رقابة لتقييم مخاطر الاستثمار الأجنبي ولتجنب أي تمويل صيني يمكن أن يشكل تهديداً استراتيجياً لمصالحها في هذا الإطار.
وبالإضافة إلى ذلك، لا توجد علاقات ثقافية واجتماعية بين الصين وإسرائيل مثل تلك التي توجد بين إسرائيل والولايات المتحدة. وليس في الصين مجتمع يهودي أو إنجيلي مؤثر يمكن أن يعمل كمعزز للمصالح الإسرائيلية، وتراقب الحكومة عن كثب المسيحيين الصينيين البالغ عددهم 67 مليون نسمة. ويجعل الإلحاد الرسمي للحزب الشيوعي مسألة المواقع المقدسة والدينية موضع نقاش –حتى على الرغم من أن الصين كانت تربطها علاقات ودية مع اليهودية تقليدياً. ولكن، في حين أن إسرائيل لا تتمتع بعلاقات ثقافية أو دينية مع الصين، فقد سمحت لها صلاتها بالولايات المتحدة بالحفاظ على نفوذها وعلاقاتها هناك خلال فترات الإدارات الرئاسية المتعاقبة.
في الوقت الراهن، تظل المعاملات الاقتصادية هي الوسائل الأساسية التي يمكن أن تكسب بها الصين أرضية في إسرائيل. لكن مثل هذه الصفقات التجارية شرعت مسبقاً في لفت انتباه الولايات المتحدة، وأصبحت تعيق العلاقات -كما ظهر مؤخراً عندما حذرت البحرية الأميركية من أنه لم يعد بإمكانها استخدام ميناء في حيفا تديره شركة صينية. وسوف تستمر هذه العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عرقلة الجهود الصينية، ويمكن لسياسة واشنطن المناهضة لإيران أن تتدخل أكثر في إعاقة تحركات بكين في المنطقة. ومع ذلك، لا تلبي الولايات المتحدة جميع الاحتياجات الاقتصادية لإسرائيل، ولذلك ستواصل بكين العثور على صفقات يمكن أن توقعها مع إسرائيل.

*نشر هذا التحليل تحت عنوان:
 Israel, China: Beijing Tempts Israel With Money for Development