الصين محطة الاستثمارات العالمية (2 - 5)

زيان زوانة

عمان- ترتبط الصين ودول الاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية وثيقة زاد زخمها خلال الأشهر الستة الماضية من العام 2011، وذلك بسبب تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصادات الأوروبية. فالطرفان يعملان على تشجيع الإستثمار المتبادل بينهما، فأوروبا، مع تطورات الأزمة العالمية على اقتصاداتها وما تبع ذلك في تعمق مديونية الحكومات إلى مستويات شديدة الخطورة في إيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، وانعكاساتها على السوق المحلي وبيئة الأعمال، أصبحت تنظر إلى السوق الصيني كأفضل محطة لاستثمارات الشركات التي تشعر بالخوف وترغب بتنويع استثماراتها وأعمالها وأسواقها.اضافة اعلان
لذلك نرى أن دول الاتحاد الأوروبي تمثل المستثمرين الرئيسيين في الصين وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، حيث أصبحت أول أكبر عشر مستثمرين في الصين. ففي العام 2010 ارتفعت استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في الصين بنسبة 11 % عن السنة السابقة، وأصبحت دول الاتحاد الأوروبي ثالث أهم مكان للاستثمارات الصينية، وأكبر شريك تجاري للصين، وغدت الصين ثاني أكبر سوق للصادرات الأوروبية.
وخلال الستة أشهر الأولى من العام 2011 ارتفع حجم التبادل التجاري بين العملاقين بنسبة 21 % ليصل إلى 266 بليون دولار، وبلغت استثمارات أوروبا في الصين 3 بلايون دولار بزيادة بنسبة
9 %، بينما انخفضت الاستثمارات الأميركية في الصين خلال نفس الفترة بنسبة 24 % لتصل إلى (1.3) بليون دولار.
وعلى الرغم من هذا اقتصر ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) في الصين خلال شهر حزيران (يونيو) 2011 على نسبة 2.8 % وهي الأقل منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، وعلى رأسها تلك القادمة من أميركا تحديدا، يليها الاتحاد الأوروبي، وذلك بفعل حالة عدم التأكد Uncertainties التي تسود الاقتصاد العالمي خاصة الأميركي والأوروبي.
وفي الوقت الذي تتدفق فيه الاستثمارات الأوروبية على الصين، تنتقد غرف التجارة الأوروبية والأميركية العقبات التي تضعها الحكومة الصينية أمامها كحرية الوصول إلى السوق الصيني وإجراءاتها المتعلقة بحقوق الملكية الفردية، هذا على الرغم من اعترافهم بأن البيئة الاستثمارية الصينية آخذة بالتحسن التدريجي ما يجعلها مناسبة لهم، فقد قامت الحكومة الصينية منذ تشرين الأول (أكتوبر) السنة الماضية بحملة ضد تقليد البضائع وتزييفها وذلك لحماية حقوق الملكية الفردية.
يذكرنا هذا التوجه للاستثمارات العالمية بدول الربيع العربي وما تتعرض له اقتصاداتها من نزف رؤوس الأموال وهروبها من مصر وسورية وليبيا وتونس واليمن إلى حيث الأمان والربح، إذ تشير الإحصاءات إلى انخفاض احتياطيات البنك المركزي المصري خلال الستة أشهر الماضية بنسبة تقارب 30 %، ومثلها بقية دول الربيع، ونتابع كيف أصبح لهذا الربيع وجه اقتصادي ومالي ضاغط على الحكومات والشعوب الذي إن لم تعالجه دول الربيع العربي فسيعيدها عشرات السنوات إلى الوراء، وسيعمل على تدهور مستوى معيشة مواطنيها. فالربيع العربي لم يعد ربيعا، بل امتد ليصبح صيفا وفصولا أخرى تتبعه، وقد يكون هذا أهم الدروس المستفادة لمن يريد أن يستفيد.
تفاعلات الربيع العربي تلحق الضرر بدول الإقليم من دون استثناء وتعرّضها لنفس النتائج سواء كانت أحوالها ربيعا أو أي جزء منه، كالمسيرات والاعتصامات وعجز الحكومات واتساع الفجوة بينها وبين شعوبها، فليس هناك بلد في العالم محصن ضد ظاهرة هروب رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان، وعلى الحكام والمواطنين أن يستوعبوا دلالاته ويجدوا لأنفسهم مساحة مشتركة يقفون عليها، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتصبح ضغوطات الربيع سياسية واقتصادية لا توفر أحدا.

[email protected]