الصين والإيغور..!

تثير قضية الإيغور، السكان المسلمين لمقاطعة شينجيانغ (سنجان) الصينية، جدلاً بين المتحاورين ومواطني وسائل التواصل الاجتماعي. البعض يهاجمون الصين بشدّة على ما يصفونه بأن القمع المتطرف لسكان تلك المنطقة. والبعض الآخر يدافعون عن الصين، إما على أساس أن ما يقال عن قمعها لمسلمي شينجيانع دعاية أميركية وغربية، أو على أساس أن سكان المنطقة انفصاليون، وتحت خطر التطرف الإسلاموي بدليل مشاركة بعضهم في القتال مع "داعش" والقاعدة في سورية.اضافة اعلان
ينطلق المدافعون عن الصين أساساً من إعجاب بما تنجزه تلك الأمة اقتصادياً وعسكرياً، وقدومها القوي لمنافسة أميركا على الهيمنة العالمية. ويكفي أن يقف أحد في وجه الهيمنة الأميركية التي نحن من أبرز ضحاياها حتى يصبح مفضلاً. كما أن الصين لا تتدخل في بلداننا بشكل مباشر ولا تستهدفنا بالقصف والاحتلالات والازدراء. وبالإضافة إلى ذلك، سيفضل ذوو النزعات اليسارية نسخة الصين الشيوعية على الغرب الرأسمالي الإمبريالي.
من المعقول أولاً أن للإعلام الغربي تأثيرا على تكوين الرأي العام لدينا أكثر من الصين. ومن أسباب ذلك عامل اللغة، حيث وصولنا إلى الإنجليزية والفرنسية وبعض اللغات الأوروبية أوثق بما لا يقاس من الصينية. وبذلك تسهل علينا قراءة الإعلام الغربي أو ترجمته، بعكس الصيني. كما أن استهداف الغرب المباشر لمنطقتا يجعلنا هدفاً متعمداً لإعلامه، ويجعل إعلامه مهماً عندنا لنعرف ما يفكرون به لنا.
سوف يعني ذلك سماع رواية أحادية عما يجري حقاً في إقليم الإيغور، في جملة ما نسمع عن الصين في ما يتعلق بالحريات و"دولة المراقبة" وما شابه. وسيكون الناس معذورين في تكوين تصوراتهم عن الصين من الصورة التي يعرضها لنا الإعلام الغربي الذي يصل إلى هناك، بينما يغيب الإعلام الصيني عن تزويدنا برواية مقابلة تتيح توازناً في عملية بناء التصورات.
أياً يكُن، ثمة المئات على الأقل من التحقيقات الاستقصائية والشهادات الفردية التي قدمها صحفيون غربيون ذهبوا إلى شينجيانغ وكتبوا عما شاهدوه. وفي الحقيقة، لم أصادف مادة واحدة كتبها صحفي ذهب إلى تلك المنطقة ونقض فيها الادعاءات السائدة – إما لأن ما يُحكى عن تلك المنطقة حقيقي، أو لأن الإعلام الغربي لا يميل إلى نشر مدائح للصين- ولو أنه احتمال مستبعد في ضوء الحرية النسبية للإعلام هناك. وهناك "يوتيوبات" فردية لأشخاص ذهبوا إلى الإقليم ونقلوا صورة مساجد مغلقة، وأناسا خائفين من التلفظ بكلمات تتعلق بالدين، وأكد بعضهم وجود "مراكز الإصلاح والتأهيل" التي يقال إنها مراكز اعتقال لغسل الأدمغة.
بطبيعة الحال، سوف يعاتبك الصينيون والمتعاطفون إذا تحدثت عن التصورات التي تصلك عن ذلك الإقليم. لكنهم في المقابل لا يفعلون ما يجب ولا يوظفون قدراتهم الإبداعية لترويج رواية مقابلة مقنعة. إنهم لا يقومون، مثلاً، بإطلاق حملة تدعو الزوار والصحفيين من كل أنحاء العالم للقدوم إلى الإقليم والتحدث بحرية مع سكانه، ولا هُم يعملون يهتمون بإعلام الناس في منطقتنا بطريقة تتيح لهم اختيار تصديق إحدى روايتين.
مع قناعة الكثير منا بتفضيل الصين كقوة عالمية تقف في وجه انفراد الولايات المتحدة بالضعفاء – ونحن منهم- فإن أحداً لا يمتلك أطروحة متماسكة لتوضيح موقف الصين في شينجيانغ. ولا تكفي قصة المتطوعين في سورية لوصف الإقليم كله بالتطرف وتبرير استحقاقه للإخضاع بالعنف. وإذا كانت لدى سكان ذلك الإقليم قضية انفصالية مسوّغة، فإننا لا نعرف عن ذلك حقاً. لكنّ كثافة القصف الإعلامي الغربي للصين تخلق انطباعاً بأنه "لا دخان بدون نار".
عموماً، إذا كان ما يقال لنا عن الدولة البوليسية في الصين وعن الإيغور صحيحة، كما ينقلها لنا الإعلام الغربي – مع عدم إهمال غاياته المعروفة- فإن ذلك لا يجعل الغربيين أنبياء العالم الصالحين. إن الولايات المتحدة نفسها دولة مراقبة تدس أنفها في خصوصية مواطنيها قبل الآخرين. وهي لا تكتفي باضطهاد المسلمين في إقليم تدعي ملكيته، وإنما تستهدفهم بالتدخلات والمؤامرات وتخريب البيوت في كل ركن في العالم. بل إنها تسن القوانين العنصرية لمنع دخولهم أراضيها على رؤوس الأشهاد. ويظهر الاهتمام العام بقصة الصين والإيغور أن الناس لدينا ربما نسوا قصة أميركا المؤسفة والمستمرة مع المسلمين –ربما بسبب اعتياد الألم حد النسيان.