"الضبع" في "الشارع"

مثيرة للحزن والأسف قصة "الضبع" التي شغلت الشارع الأردني لأيام، في ثرثرات الشغل والبيوت والمقاهي ومواقع التواصل، بل حتى في الهجوم الصحفي في بعض المقالات على الرجل الذي لم يحالفه الحظ في تشبيهٍ ما، ارتجله على التلفزيون! هل كان مطلوباً من مسؤول في "وزارة الصحة" أن يكون شاعراً أو ضليعاً في البلاغة والبيان، وهل هذا ما ننتظره من رجل في هكذا مهنة ومهمّة؟! هل انهدّت الدنيا، وهل صار هذا الرجل هو سبب كل البلاوي وضيق الحال الذي يخنق الناس؟! أم أنه كان "مع الاعتذار له عن التعبير" الحيط الواطي الذي صبّ عليه الأردنيون غضبهم ومزاجهم النكد. المشكلة في الأردن أننا مهما ادّعينا التسامح نظل في الحقيقة مجتمعاً غير متسامح. ومتصيّدين ماهرين للأخطاء، وزلّات اللسان، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تجد الأردنيين "يتحلّقون" حول شخصية ما، في "احتفال" يشبه رقصة البدائيين حول النار: يُهلّلون ويغنّون ويأكلون لحم الشخصية المغدورة نيئاً! لا تسامح ولا أعذار عند الجمهور، مع المسؤول أو الفنان أو لاعب الكرة، ولا يمرّون مرور الكريم عن عثرات الناس. بل إن حجم الشراسة في القصة أشعرنا أنّنا كنا مجتمعا من الملائكة، حتى جاءت زلّة لسان هذا الشخص لتودي بالفضيلة والطهرانية التي تعمر بيوتنا. وهذا يحدث على صعيد الشخصيات العامة، ويحدث كذلك مع الناس البسيطين الذين يتعرضون لهذا الاستقواء عليهم في الحلقات الضيقة: الأقارب والزملاء والجيران. نحن مجتمع طليق اللسان، واسع الخيال، حين يتعلق الأمر بخصوصيات الناس، ومزالقهم، وهفواتهم. وحجّة الكثيرين في ذلك أنك ما دمت ارتضيت أن تكون "شخصية عامّة" فأنت لست بمأمن من النقد. وهذا تعسف كبير، ومصادرة لإنسانية هذه الشخصية العامة، فلا أحد منزه عن الخطأ، والخطأ بالطبع غير الفساد، فمن حق رجل لم يخرج على التلفزيون قبل ذلك أن يرتبك وأن يتلعثم وأن يجانبه التوفيق في بعض التشبيهات المرتجلة. فهو ليس شاعراً ولا مذيعاً ولا محللاً مفوّهاً، رغم أنه حتى هؤلاء يخطئون! فمن الذي أعطى الناس الحق في السخرية من بعضهم على هذا النحو؟ ولماذا فجأة تصبح الحياة الشخصية مستباحة ومهدورة الخصوصية. الإجابة في شراسة المجتمع، وفي استقوائه على الضعيف أو الطيب. فالشارع هو "الضبع الحقيقي"، والناس قساةٌ ولا يتردّدون في جعل أحد ما موضوعاً للتندّر والتسلية.اضافة اعلان