الضريبة في "موازنة 2023"

سلامة الدرعاوي صحيح أن الحكومة وعلى لسان وزير ماليتها الدكتور محمد العسعس أكد أنه لن يكون في موازنة العام المقبل أي رفع أو زيادة على الضريبة، وهو التعهد الرابع على التوالي الذي يقوم به وينفذه على أرض الواقع دون تراجع، والسر في ذلك هو واقع الضريبة وتحصيلاتها. نعم نقول بكل وضوح أن الإصلاح الضريبي الذي تم منذ بداية عام 2019 كان كفيلاً بدعم الخزينة، وتغطية فجواتها التمويلية المتزايدة، ولولا النجاح الضريبي المذهل في عمليات المكافحة والتجنب وتوسعة قاعدة الشمول الضريبي لما تحققت المراجعة الخامسة مع صندوق النقد الدولي بنجاح، فهي فعلاً ما أنقذت هذه المراجعة من انتكاسة خطيرة بعد ظهور تجاوزات في النفقات. الإيرادات الضريبية التي تحققت هذا العام كانت بحدود الـ5.937 مليار دينار، وهو أعلى بما مقداره 250 مليون دينار على ما تحقق فعلياً في عام 2021. لكن المؤشرات للعام المقبل تفترض نمواً كبيراً في التحصيلات الضريبية بكافة أنواعها، حيث قدرت بحوالي 6.633 مليار دينار، وبفارق 544 مليون دينار أو نسبته 8.9 % عن المقدر في عام 2022 أو بفارق 686 مليون دينار أو بزيادة نسبتها 11.6 % على إعادة تقدير موازنة العام الحالي التي قاربت على الانتهاء. الزيادة الكبيرة في الإيرادات الضريبية والبالغة نسبتها 11.7 % هي نتاج عن نمو إيرادات ضريبة الدخل التي قدرت زيادتها بحوالي 14.4 % في العام المقبل ليبلغ الإجمالي لها ما يقارب الـ1.545 مليار دينار، وهي نسبة نمو مرتفعة، بزيادة 19.9 % و 14.4 % عن المقدر والفعلي في قانون الموازنة للعام الحالي. أما ضريبة المبيعات فقد قدرها مشروع قانون موازنة 2023 بما مقداره 4.587 مليار دينار، وبفارق 378 مليون دينار أو ما نسبته 9.2 % عن المحقق الفعلي في العام الحالي. طبعاً هناك نمو في الإيرادات الجمركية بنسب متواضعة، حيث قدرت السنة المقبلة ما مقداره 275 مليون دينار، بزيادة نسبتها 2.2 % عن المعاد تقديره في موازنة العام الحالي. لكن قد يعوض هذا النمو المتواضع في الإيرادات الجمركية والذي سببه الرئيسي توحيد الشرائح الجمركية لأربعة مستويات منتصف هذا العام، بنسب نمو مرتفعة نسبياً في ضريبة بيع العقار والتي قدرت للعام المقبل بحوالي 141 مليون دينار، وهو ما يشكل زيادة نسبتها 41 % على ما تحقق فعلاً في هذه البند خلال سنة 2023. الحكومة تعول في استمرارية النمو الضريبي، على مواصلة رفع مستوى الإصلاحات الضريبية من خلال اللجوء إلى وسائل تكنولوجية وتقنية حديثة تساهم في زيادة التحصيل وتوسيع قاعدة الشمول ودعم جهود المكافحة والتجنب الضريبي، بواسطة بناء نموذج عصري يعتمد على الذكاء الصناعي في عمليات التدقيق والتتبع الضريبي. كما تدرك أنه في عام 2023 ستبدأ فعلاً على أرض الواقع تطبيق نظام الفوترة الوطني الذي سيمكن من تعزيز إدخال كافة الأنشطة الاقتصادية بمختلف مستوياتها وأنواعها تحت مظلة الاقتصاد الرسمي. لكن بالمقابل فإن هناك تحديات كبيرة قد تقف أمام فرضيات الحكومة في حال تحققت ولعل أبرزها هو فيما يتعلق باستمرار عمليات التهريب لبعض السلع التي لها وزن ضريبي كبير في الوعاء الضريبي كالدخان على سبيل المثال لا الحصر. وقد يكون المشهد الضريبي في العام المقبل بحاجة إلى توفير متطلبات تطبيق برامج التقنيات الحديث التي تخطط دائرة ضريبة الدخل لاستخدامها، وهذا الأمر يتطلب توفيراً تقنيا لوجستيا وماليا سريعا لكوادر الدائرة. واضح أن الضريبة ستكون اللاعب الحاسم في تحقيق فرضيات ومؤشرات موازنة 2023، وهي نجحت بذلك في السنوات الثلاث الماضية، لكن يبقى التحدي هو في التزام الحكومة من خلال وزارتها المختلفة بالنفقات المرصودة لها وعدم تجاوزها، لأن التجاوز في ذلك يعني ضياع فائدة النمو في التحصيلات الضريبية التي يجب أن تذهب عوائدها لمشاريع رأسمالية عوضاً عن تمويل نفقات مالية كما حصل في الآونة الأخيرة مع كل أسف. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان