الضريبة: قانون لن يمر (2 – 2)

أخطر ما يتم إنكاره بالتزامن مع التفكير بإقرار قانون جديد للضريبة، المزاج القاسي للمواطن الأردني الذي يشعر بتخلي الحكومات عنه، وتركه وحيدا في مواجهة التحديات. يتضاعف الأذى من هذا الشعور باتساع فجوة الثقة بين الحكومات بشكل عام والمجتمع، وكل تلك الانطباعات عن الفساد واتساع حجمه، رغم كل المحاولات الرسمية في ضبط حجم المشكلة.اضافة اعلان
قياس رد الفعل الأولي للناس على التسريبات المتعلقة بالقانون، تشي بحجم غضب كبير يسيطر على الأردنيين، ما يجعلهم يرفضون إقرار مثل هذا القانون تماما، ويجعل ردود أفعالهم غير محسوبة في حال اقتراب الحكومات من قوتهم ومن رزق أولادهم.
يغيب عن بال من يفكر بالقانون، الصورة الأشمل لحال الأردني الذي تعايش مع ست سنوات صعبة، وكل ما أحاط به من ثورات وحروب إقليمية زادت من حدة الأزمة الاقتصادية المحلية وَحَدّت من فرص انتعاش اقتصادي يمكن أن يطفئ بعضا من نار الفقراء وعطشهم لحياة مريحة، إضافة إلى تسارع تآكل الطبقة الوسطى مع فقدان الأمل وغياب الأفق بدعمها.
 مجمل هذه الظروف وسنوات المرّ التي عاشها الأردني وما يزال مضطرا على التعايش معها، جعلت من المواطن "مشروع مهاجر"، بعد أن بات يتيقن أن الفرص هنا لم تعد ممكنة، وصار يحلم فيها بمكان آخر يمكن له فيه أن يحقق أحلامه ببناء حياة مريحة.
اشتراطات صندوق النقد الدولي هي محور اهتمام الحكومات، أكثر بكثير من الوضع المعيشي للمواطن، فيما تسقط من الحساب تقرير البنك الدولي الأخير الذي يتوقع أن تزداد مساحة الفقر ويتضاعف عدد الفقراء لدينا، ما يعني حكما تراجع الطبقة الوسطى، وهي عماد استقرارنا.
ولأن القاعدة حقوق وواجبات، فهذا يطرح أنه إذا كان من حق الحكومات أن تتقاضى من الفرد أو الأسرة بعض المال كضريبة للدخل، فإن من حق الدافع أن يحصل على حقوقه كاملة حتى يكون التوازن عنوان العلاقة، إذ لا واجبات بلا حقوق، وأقلها الخدمات العامة اللائقة، وهي المجال الذي يصعب على الحكومات الوفاء به حاليا نتيجة التقهقر الكبير فيها بسبب سنوات من الإهمال وأخرى من اللجوء الذي ضاعف الحمل على الحكومات في هذا الجانب، وهي ستعجز بالتأكيد عن تحقيق هذا الجزء من المعادلة، بينما تتمسك في حقها بالإيراد.
المسألة الأخرى أن تسديد الضرائب في كل الدنيا يكرّس فكرة المحاسبة للحكومات، ففي الدول المتحضرة ثمة ما يسمى بحقوق دافعي الضرائب، وكثيرا ما نسمع مسؤولا أجنبيا يتابع طرق صرف أموال منح بلاده بذريعة أنها أموال دافعي الضرائب ويجب حمايتها، فيما نحن كمجتمعات نجهل حقوقنا كدافعي ضرائب.
هذه هي النظرة التي نحتاجها في إدارة ملف النظام الضريبي بشكل عام، وهذا يحتاج إلى فتح حوار وطني حول المسألة فهي ليست بالسهولة والبساطة التي يظنها واضع القانون، فالقصة أكبر بكثير من بضعة دنانير يسددها المرء تحت بند ضريبة دخل.
بالعودة إلى المشهد الحالي، وزير المالية عمر ملحس قدم تصوره لمشروع القانون ورفعه للجنة التنمية، والحكومة على لسان النطاق الرسمي باسمها د. محمد المومني تؤكد أن ما نشر ليس أكثر من مقترحات للوفاء بتعهداتها لصندوق النقد الدولي، رغم أنها غالت كثيرا في تخفيض الإعفاءات الممنوحة للأفراد والأسر، إذ جاء التعامل مع القانون الجديد من منظور مالي فقط، فيما لم يعرض الأمر برمته على رئيس الوزراء ليأخذ الحوار إلى مساحته السياسية ليوزَن بميزان آخر غير الذي يعتمده ملحس والمتمثل بحجم الإيراد المتأتي، رغم علمه، ربما، بأن مثل هذا القانون وبصيغته الأولية لن يمر.
نفترض أن الخطوة التالية هي عدم الاختباء، والخروج على الناس لشرح القانون وتقديم موجباته، ليخضع لحوار موسع يؤدي بالنهاية إلى توافق على تفاصيله، وهو دور سياسي كان يتوجب على وزير المالية أن يؤديه، وأن يخرج للناس ويقدم مقترحه بشجاعة ويدافع عنه.
الخطوة الأهم والمفصلية تعتمد على مجلس النواب وممثلي الشعب، فهم من اختارهم الناس لتمثيلهم وحماية مصالحهم. وهنا يتوقع من مجلس النواب أن يقوم بدوره كما فعلت الحكومة، لكن هذه المرة برد القانون برمته، والطلب من الحكومة وضع مقترحات أخرى ترضي صندوق النقد بعيدا عن جيوب الناس.