"الضفة ستفاجئ الجميع"

أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية، "حماس"، أسامة حمدان، يوم الجمعة، 28 كانون الأول (ديسمبر) 2018، أن الضفة الغربية ستفاجئ الجميع بما تعده للاحتلال الإسرائيلي. في الواقع أنّ تصريح حمدان، كان سيكون سبباً للشعور بالسعادة العامة، في حال آخر، غير الواقع الحالي. ولكن الحقيقة أن الفلسطينيين، وخصوصاً الفصيلين الكبيرين، وسلطتهما، "فتح" و "حماس"، تكرهان المفاجآت، إلى حدٍ كبير، حتى ضد الاحتلال، خصوصاً إذا جاءت على يد الفصيل الثاني، وفي ساحة الفصيل الأول. والسبب ببساطة أنّ الفصيلين تحولا إلى مؤسسات وسلطة. أصدرت "حماس" ومعها فصائل حليفة صغيرة، في غزة مؤخراً بيانات تستنكر وترفض حالات إطلاق صواريخ من القطاع، منها على سبيل المثال، بيان صدر يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، تُعلّق فيه الفصائل على إطلاق صاروخ ضد إسرائيل، وجاء فيه أن الصاروخ جزء من "المحاولات غير المسؤولة التي تحاول حرف البوصلة وتخريب الجهد المصري". وقال حينها القيادي في حركة "حماس" محمود الزهار إنّ من أطلق الصاروخ هو "إما إسرائیل أو طرف له علاقة بالسلطة الفلسطینیة". وهنا لا بد من مقارنة البيان مع تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) 2018، بشأن العمليات الأخيرة في الضفة الغربية أنّ "حماس هي التي تقوم بها، فهم (إسرائيل) يعطونهم النقود ونحن ندفع الثمن، لننتبه إلى هذا". وهو يشير هنا للتسهيلات العلنية الإسرائيلية لدخول أموال لقطاع غزة، وإعلان "حماس" مسؤوليتها عن عمليات المقاومة الأخيرة. أنهيتُ حديثاً، كتاباً بعنوان "الشباب الفلسطيني من الحركة إلى الحراك"، صدر عن مركز دراسات مسارات، وإحدى المقابلات التي أجريتها على هامش الكتاب، مع شاب شارك في "حراك برافر"، وهي حملة احتجاج تضمنت كل فلسطين، ضد قانون برافر الإسرائيلي، لتهويد النقب ومصادرة أراضي القبائل البدوية الفلسطينية. وهذا الشاب من غزة. وصف كيف استدعي للتحقيق والاعتقال، من قوات الأمن (حماس)، وكيف انصب "الاتهام"، أنّ الاحتجاج على "برافر"، هو مقدمة ربما لتحرك ضد السلطة في غزة. وهذا المشهد يتكرر في الضفة الغربية. فأي تحرك مهما كان في غزة أو الضفة، تريد الأجهزة الأمنية، في الحالتين، أن يكون تحت السيطرة، وأن يضبطوا إيقاعه، وأن يضمنوا عدم تحوله إلى تحرك احتجاجي "انقلابي"، وألاّ يصب في خانة تقوية الفصيل الآخر، أو ألاّ يتخطى حدود المواجهة المقررة والمعدة والمحددة سلفاً، مع الإسرائيليين. يؤمن مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، إدوارد كار (1892- 1982)، أنّ كل حركة أو مجموعة تبدأ "طوباوية" ومعارضة، ترفض واقعية من في السلطة، وترفض ادعاء أن سياساته عقلانية تخدم المصلحة العامة، تنسجم مع متطلبات الواقع المحلي والعالمي، إلى أن تصل هذه الحركات أو الجماعات، إلى السلطة، أو تصبح مؤسسة، على شكل دولة، أو شبه دولة، فتترك الطوباوية، وتصبح حركة محافظة، تخشى المفاجآت، وتريد احتكار قرار الحرب والسلم، وجعل إيقاع الحياة اليومية بيدها، مع استمرار الطروحات المثالية إزاء الخصوم السياسيين. المشكلة الأكبر فلسطينيا، أنه لا يوجد دولة أو سيادة، ولكن هذا يسقط في حسابات "أجهزة الأمن" الداخلي، التقليدية، للسلطتين، ويسقط لحساب الصراع الفصائلي. لا تعتقد "حماس" أن ضبط إيقاع الحركة والمقاومة الذي تصر عليه في غزة، لدرجة اعتبار إسرائيل والسلطة خلف أي عملية مقاومة غير منضبطة، ينسحب على الضفة، ولا تعتقد أن القرار يجب أن يكون موحدا، كما تصر عليه في غزة. والسبب أنها ليست الحكومة أو السلطة في الضفة، ولو أصبحت، لأصرت على إجماع وطني قبل أي مقاومة، ولو لم تعد سلطة في غزة، لقالت بحق المقاومة دون قيود. معركة التحرير، أو حتى الاستقلال والدولة الفلسطينية، لا يمكن أن تتقدم إلا بنظرية وتطبيقات جديدة واضحة، تأخذ باعتبار واقع ازدواجية السلطة والمقاومة، والشعبي والمؤسسي، والواقعي والثوري، وبأن لا يكون التركيز على تكبيد الشريك الوطني الآخر نقاطا وخسائر. لا تُقدّم "حماس" تصوراً مُقنِعاً، إذا أرادت جعل عملها دبلوماسياً ورسمياً في كل مكان، ودفاعياً في غزة، وهجوميا في الضفة، فقط. ولا تقدم "فتح" أي خطاب مقنع، إن لم تُعِد بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها المجلس الوطني الفلسطيني، والمؤسسات الشعبية والمهنية، وتفعيل منظمة التحرير، والإجابة عن سؤال كيفية ردع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية بفعالية؟ بعيدا عن الاكتفاء بالدبلوماسية التقليدية والإعلام.اضافة اعلان