"الطاسوس" للقاص نائل العدوان.. تأملات في أحوال الوطن

1
1

عزيزة علي

عمان - صدر للدكتور والقاص والروائي والفنان التشكيلي نائل العدوان كتاب بعنوان "الطاسوس-تأملات في أحوال الوطن"، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان.اضافة اعلان
يتناول العدوان في "الطاسوس" العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، التي تدور رحاها في الأردن، ويعالج هذه القضايا بطريقة مغايرة لما ألفناه، فيقسم الكتاب الى خمسين مقالاً، تتنوع أجناسه بين القصة والمقال التي تتناول بمعظمها مشاكل المواطن التي يعانيها، بلغة سردية سلسة وأدب ساخر يلفت النظر وبصورة واقعية وواعية، مُستخدماً اللغة العامية المحكية في بعض الأحيان، وغائراً في جوف الرمزية أحيانا أخرى، ليدرك القارئ أنه أمام عمل يستحق الوقوف عند مكنوناته وإدراك الرسائل التي يبثها العدوان من خلال تأملاته التي يخص بها الوطن ويكشف من خلالها المستور دون مواربة أو مجاملة، خاصة تلك المتعلقة بحقوق المواطن والوطن.
يقول العدوان، في تصريحه لـ"الغد"، إن "الطاسوس" عبارة عن مجموعة من المقالات والقصص من الأدب التي تدور رحاها في الأردن، بين حكايا المواطن وتسلط المسؤول وفساد اجتماعي تؤطره العادات والأعراف ويعززه الانسحاق الذي وصل إليه الوضع الاقتصادي بفعل سياسات أودت بالطبقة الوسطى الى مستقبل مجهول وأخرت الإصلاح الى أجل غير مسمى.
ويضيف "يتحدث المواطن والشاعر والنساء عن ذلك الطاسوس، وينقل أخبار ظلمه وفساده، الحَمام الذي يطير ملتقطاً الحنطة لينشر بين الناس قصص ظلم الطاسوس، يقتص بعدها الطاسوس من الشعراء بصلبهم وبتقطيع ألسنة النساء وتكميم أفواه رجالها وقتل حمامها، يطير الحمام ويلتقط الحنطة ويستمر في نقل الأخبار للناس، فأمر الطاسوس بحرق الحنطة.. باتت المدينة دون حنطة، ودون حمام، وبلا أمل".
يوضح المؤلف "أن "الطاسوس" كلمة قلتها بكل ما أوتيت من محبة للوطن الذي نحبه ونقسو عليه، نتركه ونهاجر ثم نبكي لفقده، المرأة التي نكرهها ليلاً ثم نحبها في النهار.. الوطن الذي دفع الكثير من أجل أن ينام أبناؤه بهدوء، وأعطاهم السر، لكنهم عند أول قافلة باعوا السر وغدوا على ما فعلوا خاسرين، هو الأردن بما يحمله أهله الطيبون من ثقل من الخسارات والخيبات التي صُدّرت لهم عبر الحدود وسطرت لهم فرضاً عبر الوعود".
يقول العدوان "إن "الطاسوس" هي قصة وطن لم تخدمه الظروف، ولم تسعفه موسيقى الدفوف التي قرعت عندما تخطت البطالة حدودها القصوى وجاع الأهل بصمت، جاعوا ولم يظهروا للجيران هذا العوز وأطعموا الفقراء بكرم الأردنيين وظلوا بخير رغم الضيم، هذا هو الأردن الذي عرفته، حاولت قاصراً أن أكتبه وأكتب عما يدور في الأفق عنه، لكنني بصدق لم أستطع التعبير إلا قليلاً".
الكاتب باسل العكور كتب مقدمة للكتاب، يقول فيها "عندما يخفت صوت الناس حدّ الصمت، وتبدأ مساحات التعبير تضيق بالكلمة، وينتشر اللغط والغوغائية، وتنحصر أصوات المنطق أو حتى تختنق في حناجر أصحابها قلقًا وتوجسًا، وتلوذ الجموع بالمشاهدة بكل بلاهة وعدم اكتراث، وتنام الضمائر مغلوبًا على أمرها، تصحو النخبة لتقض المضاجع، وتوقد جذوة الحياة من جديد، وتبعث الروح في الأجساد المستكينة المستسلمة لقدرها، بعضهم بلغة مباشرة حادة تثقب أوزون الصمت، وبعضهم الآخر برمزية أكثر تأثيرًا وتنبيهًا وتحريكًا للحالة الراهنة".
ويضيف العكور "العدوان بهذه الروح المتمردة، اختار الأدب الرمزي والمقالة الساخرة؛ ليعبر عما يجيش بداخله من ثورة"، لافتا الى أن "الطاسوس"، هو خمسون مقالًا نوعيًا، مجموعة تأملات ناقدة من وحي الواقع، هي مسيرة قافلة الوطن التي ينتظر أهلها مخلصًا ما، مواطنًا ملهمًا مختلفًا، يحمل أحلامهم إلى مرافئ آمنة واعدة بمستقبل أفضل.
ويرى العكور أن مجموعة تأملات العدوان تحمل ثيمة خاصة، وتنوعًا في الطرح والأسلوب، فنسيج (الحدوتة) حاضر في مكنونات المقال أو القصة، وهو مكنون يخفي بين طياته طرحًا سياسيًا تارة واجتماعيًا تارة أخرى، وبين هذا وذاك، يجيد العدوان نكْءَ الجروح، وسبر الأغوار، والتركيز على المشاكل الاجتماعية في المدينة والقرية الأردنية، فأبومرزوق المختار، الذي يمثل السلطة في أدنى حدودها، هو نفسه الشخصية التي تتضخم إلى أشكال وطرق عدة، ذات الطابع الجشع الذي لا يأبه بغيره، وهي الشخصية السائدة، التي تتغول ويذيع صيتها وتتمدد سلطتها بطرق خسيسة كالمال السياسي أو المصالح الشخصية وغيرها.
ويشير العكور الى أن العدوان استخدم في هذا الكتاب أسلوبا إبداعيا جديدا في طرح القضايا الراهنة، معالجات موضوعية عميقة، وفي الوقت نفسه يترك الحلول مفتوحة تحتمل البوح أو الصمت، هكذا يتركنا العدوان في معظم مقالاته، اندهاش يرتسم على المقل، نهايات مفتوحة، وقصص قابلة لتسقطها على واقعنا المؤلم، قصص قابلة للتأويل والتدبر والتفكر، أسلوب مشوق قريب من القص الأدبي، وهذا ليس غريبًا عليه، فهو الأديب الروائي والقاص الذي يتقن تشكيل الحروف ورسم الصور والاستعارات.
ويعتبر العكور أن العدوان في هذا الكتاب يوجه رسائل واضحة بنقد بناء، والهدف بطبيعة الحال هو تدارك الأخطاء قبل أن تستفحل إلى سرطان خبيث، يتسبب في تآكل جسد الدولة وفشل أجهزتها، وكلما قرأت مقالًا ضحكت مرة، وحزنت مرارًا على ما تؤول إليه الأمور. مؤلف العدوان الجديد، إضافة نوعية للمكتبة العربية، واعتبره مرجعًا مهمًا للأدب الساخر في عالم ثالث ضاق ذرعًا بالكلمة وأصحابها.
كلمة الغلاف كتبها الروائي الأردني زياد محافظة، يشير فيها الى أن الروائي والقاص والتشكيلي العدوان يكشف لنا في إصداره هذا، جانباً من اشتغالاته الأدبية والفكرية، فيزرع عن عمد في مسالكنا الوعرة أصلاً، الكثير من الألغام، ويبني بلغة قصصية سلسة، نصوصاً لا يكفيكَ أن تمـرَّ بموازاتها، بل عليك اختراقها والاشتباك معها ومع شخوصها الذين يشبهوننا في كل شيء. ولعل من حسن حظنا أن تفلّتَ القاص في داخل العدوان، وأمسكَ مقود السرد بذكاء، فجاءت هذه المقالات التي تنوعت بين السياسي والاجتماعي والوطني والإنساني، أقرب لمجموعة من القصص الرشيقة، التي تستدرجك لتدخل أجواءها بمتعة لافتة، لكن قبل أن يتاحَ لك فكّ رموزها ودلالاتها، يجرحُ نائل عرق الحكايا ليتركها تنزف أمامك على مهل.
ويرى محافظة أن العدوان ظل كعادته، أميناً على قصص البسطاء وأوجاعهم، راصداً مواطن الخلل ومنحازاً للوطن المرهق من قسوتنا وصمتنا وحماقاتنا. يكفي أن تقرأ له في ختام مقال "الطاسوس" الذي اختير عنواناً لهذا الإصدار، عبارته الموجعة: "لا حنطة في البلد.. لا حمام.. لا أمل"، لتدرك أنه لم يقف كغيره متفرجاً على خيباتنا وخساراتنا، بل رفع صوته وقال كل ما يريد، دون تردد أو مواربة.
ويذكر أن نائل العدوان حصل على شهاد البكالوريوس في الاقتصاد العام 1996، والماجستير في الاقتصاد العام 1999 من الجامعة الأردنية، كما حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من الجامعة الأردنية العام 2013. بدأ مسيرته الأدبية في العام 1994، يكتب القصة القصيرة والرواية والمقال الساخر، ينشر في العديد من الصحف المحلية والعربية.
عمل لأعوام عدة في معهد الدراسات المركزية/ البنك المركزي الأردني كمسؤول للدراسات العليا وحتى العام 2005 ثم انتقل عمله إلى كندا/ هاملتون وعمل فيها لغاية العام 2008 في وظائف خاصة عدة، وفي العام 2009، عمل كمدير للدائرة الاقتصادية في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، ثم انتقل وعمل مديراً لدائرة السياسات والاستراتيجيات في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (2014) لغاية الآن.
العدوان عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، وملتقى الفنانين التشكيليين الكنديين، عضو مؤسس في جمعية التراث والفن بالأردن، وجمعية البلقاء للفن التشكيلي.
صدر له في مجال الرواية "مذكرات من تحت بيت الدرج"، "غواية لا تود الحديث عنها"، في مجال القصة القصيرة صدر له "المرفأ"، وديوان شعري بعنوان "نكاية بالشعراء"، في الاقتصاد صدر له "دور المؤسسة العسكرية الأردنية في التنمية الاقتصادية للفترة (1975-1996)"، حصل على الجائزة الأولى في القصة القصيرة لرابطة الكتاب الأردنيين العام 1996، والجائزة الأولى للقصة القصيرة للجامعات الأردنية العام 1996، وجائزة رابطة الكتاب لغير الأعضاء العام 1996.