الطبقة العربية المبدعة

هل يوجد في الوطن العربي طبقة خلاقة ومبدعة، وذات فكر مبتكر، وقدرة على التجديد؟ وإذا كانت موجودة فأين هي؟ ولماذا لا تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة؟

اضافة اعلان

منذ أيام كنت أراقب إحدى المحطات الفضائية المصرية، فإذا بحوار يجري مع شخص اسمه د.عصام، وهو يحمل الجنسية الأميركية، ويعمل باحثاً رئيسياً في قسم (الدفع والطاقة) بوكالة ناسا (وكالة العلوم الفضائية) بالولايات المتحدة. وهو شاب ربما بلغ نهاية الثلاثينيات من عمره.

ولما سئل عن أسباب هجرته للولايات المتحدة، نفى أن تكون أسبابه للهجرة بدافع المادة، وإنما بدافع التحرر والحصول على حقوقه وحرياته التي هي أهم من المتطلبات المادية لديه. وقال لقد هاجرت بحثاً عن حريتي وذاتي، ولو أنني بقيت مصرياً لما وجدت الاحترام الكافي، ولا كنت قادراً على الفلتان من المحاسبة والرقابة. ولهذا ذهبت الى أميركا، لأصبح أميركيا، وأعود الى بلدي مصر حيث أستطيع التمتع بحرياتي وحقوقي الأساسية في بلدي لأنني لست مصريا.

هل طردنا من دولنا القدرات الفذة، وضيعنا الطبقة المبدعة والقادرة على الابتكار والتجديد؟ كم تكلفنا الانظمة الاستبدادية في الوطن العربي من حيث الفساد، وهجرة العقول، وتشويه استخدام الموارد، وبعثرة الأموال، والتنازل عن الحقوق السيادية، وإهدار كرامة المواطنين، ورفع معدلات الجهل والفقر والبطالة؟

إن كل الدلائل تؤكد أننا لو سمحنا للعقول العربية أن تستمتع بالحرية في التعبير والإبداع والبحث، فإن حجم الطبقة المبدعة في الوطن العربي لن يقل عن مثيلاتها في أوروبا واليابان والولايات المتحدة.

فالعرب مثلاً يفرزون عدداً من أساتذة الجامعات يصل الى أعلى نسبة بين الأقليات في الولايات المتحدة. وينطبق نفس التحليل والنتائج على قطاعات الصحة (الأطباء والفنيون الطبيون)، وقطاع البحوث العلمية (الموظفون في ناسا وغيرها من مؤسسات البحث العلمي).

إذن فالمشكلة ليست مشكلة العقل العربي، ولا الدماغ العربي، بل المشكلة تكمن في المناخ الناظم للإبداع.

إن المجتمع الذي يؤمن بسريَّة المعلومات بدل الإفصاح عنها، لا بد أنه يغطي من الفضائح أكثر مما يخبئ من الأسرار التي إن كشفت ستعرض أمن الوطن للحظر كما يقال لنا باستمرار.

والمجتمع الذي لا يخصص للبحث العلمي سوى اثنين بالألف من دخله القومي بدل (15 – 20 ) بالألف، لا يمكن أن ينجز اختراعات وابتكارات جديدة.

والمجتمع الذي يفصل البحث العلمي والجامعات عن المجتمع، ويحولها إلى جزر للتلقين والاعتمادية والعودة الى المجتمعات الابتدائية، لا يساوي ثمن كلفته على المجتمع من حيث المردود.

هذه الطبقة الخلاقة والمبدعة، والتي ابتكرت منذ 25 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي طرقاً للتعبير عن آلام المجتمع، والفقر، والتهميش، وغياب الحريات والحقوق الاساسية، قادرة إن توفرت لها الظروف الصحية من الاندماج، والتعبير، والحرية، والديمقراطية، وتشجيع العلم، وتغليب المعايير الصحيحة، والشفافة، أن تحيل سكن الجمر وترابه إلى ذهب وتبر للشعب العربي كله.

[email protected]