الطبقة الوسطى.. الغائب الحاضر

الطبقة الوسطى والمجتمع المدني موجودان بالضرورة طالما أنه توجد مهن وأعمال وأسواق وخدمات ومجتمعات. والأزمة في الأردن ليست في عدم وجود الطبقة الوسطى والمجتمع المدني، ولكنها في عدم تشكل الأعمال والتجمعات والبرامج المستمدة من قيم ومصالح الطبقة الوسطى والمجتمع المدني، وعجز الطبقة الوسطى والمجتمعات عن الاستقلال في مصالحها ومواردها وفرصها، أو عدم الربط بين استقلالها وبين تشكل برامج ومواقف مستقلة.اضافة اعلان
هناك بالطبع تخطيط وعمل عن وعي مسبق لربط الطبقة الوسطى والمجتمعات بالدولة وأصحاب الأعمال والشركات، ومنعها من الاستقلال في تنظيمها وتشكلها ومواردها وقدرتها على إنشاء مصالح وفرص توظيف وبناء شراكة وتوازن مع الدولة والقطاع الخاص، ومنحها الولاية الحقيقية على احتياجاتها ومؤسساتها، وتركها تنظم هي بنفسها العمليات والمؤسسات الثقافية والمجتمعية والتعليمية والتنظيمية الأساسية وتوفير وحماية السلع والخدمات الأساسية، برغم ما في هذه الاستقلالية والولاية من توفير كبير في الإنفاق العام والموازنات العامة وحماية للموارد. إذ ثمة إصرار كبير على أن تظل هذه الخدمات والاحتياجات مؤممة للدولة، أو يملكها القطاع الخاص. وعمليات الخصخصة التي جرت، على سبيل المثال، للخدمات والموارد العامة، كالمناجم والاتصالات والطاقة والمياه، لم يسمح للمجتمعات والناس بشرائها وامتلاكها، والمؤسسات التعليمية والصحية تدار بالتقاسم والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، مع إصرار كبير ومحير ومريب على تغييب المجتمعات والنقابات والبلديات.
وربما تفسر هذه المقولات حالة الفوضى والارتباك والحيرة في الحراك السياسي والاجتماعي القائم. فقد وجدت المجتمعات والطبقات الوسطى نفسها فجأة في مواجهة مطالبها مستقلة عن السلطة والأحزاب والشركات. وهي بالطبع تجربة حديثة، نبتت فجأة، ولم تأخذ فرصتها لتنضج باتجاه أهداف اجتماعية وسياسية حقيقية، واتفقت عليها القوى السياسية التقليدية لتجذبها بعيدا عن فكرتها الأساسية وجرها لتعمل ضد مصالحها.
في جميع الأحوال، هو حراك يعكس الشعور بالظلم والاحتجاج على الفساد والفجوة الهائلة بين النخب والمجتمعات، وضعف وفساد الأداء الحكومي، ولكنه مجرد شعور عام، ورؤية للنهايات والأهداف الكبرى (الإصلاح)، وهذا لا يكفي لتشكيل حراك سياسي واجتماعي منظم وفاعل وقادر على العمل والتأثير. فالشعور بالظلم لا يكفي، والتطلع إلى العدالة والحياة الأفضل أيضا لا يكفي لقيام عمل سياسي منظم ومؤثر؛ ولكن ذلك يحتاج إلى وعي أكثر عمقا بالعلاقة بين المصالح والموارد والإدارة السياسية والعامة المنظمة لها، وملاحظة وإدارك الخلل في هذه العلاقة في كل المجالات والسياسات والتشريعات، ومن ثم إبداع وسائل وأفكار وبرامج ذكية وواضحة في تصحيح هذه العلاقة بين الموارد وإدارتها.

[email protected]