الطبيعة تساهم في تحسين الصحة وزيادة السعادة

هناك صلة بين الإنسان والطبيعة - (ارشيفية)
هناك صلة بين الإنسان والطبيعة - (ارشيفية)

لندن- نعتقد جميعا أن الطبيعة يجب أن تكون مفيدة لصحتنا وسعادتنا. وقد أظهر تحليل علمي حديث مدى التأثير الإيجابي لشعور المرء بأنه جزء من الطبيعة على صحته البدنية والعقلية.اضافة اعلان
في الوقت الراهن، يوجد عدد متزايد من الدراسات والمبادرات التي تطرح أدلة تفيد بأن وجود صلة بين الإنسان والطبيعة يعود عليه بالنفع فيما يتعلق بصحته وسعادته، وهو أمر لن يدافع عنه سوى عشاق الطبيعة أمثالنا.
والآن، تتضح أهمية ذلك – على أرض الواقع - بشكل علمي وإحصائي، عبر نتائج تحليل كُشف عنه مؤخرا لأول مشروع تشهده المملكة المتحدة لمدة شهر كامل كان يضم ما وصف بـ"تحدي الطبيعة"، وهو في واقع الأمر مسعى للحض على انتهاج سلوكيات صديقة للبيئة.
وقد نُفذ هذا المشروع العام الماضي وشمل أناسا طُلب منهم "القيام بشيء مختلف أو جامح" بشكل يومي على مدار 30 يوما متصلة، طُلب من هؤلاء الأشخاص كذلك المشاركة في استبيان حول الشكل الذي يفترضونه للصلة القائمة بينهم وبين الطبيعة، ولإحساسهم بأنهم جزء منها.
كما شمل الاستبيان أسئلة حول كيفية تفاعلهم مع الطبيعة، وكيف كانوا يرون حالتهم الصحية وإحساسهم بالسعادة في ثلاثة أوقات مختلفة، قبل مشاركتهم في هذا المشروع، وفي نهاية هذه المشاركة، وبعد شهرين من ذلك أيضا، و نُشر هذا التقييم التحليلي في دورية "بي إل أو إس وان".
وأجرى الدراسة جامعة ديربي والجمعية الملكية لصناديق الحياة البرية في بريطانيا، في مسعى لاختبار التأثير الذي خلّفه المشروع الذي نظمته الجمعية العام الماضي تحت اسم "30 يوما من الحياة البرية" على المشاركين فيه، والتعرف على مدى هذا التأثير كذلك.
وتقول لوسي ماكروبرت المسؤولة عن شؤون الحملات الخاصة بالطبيعة في الجمعية: " كنا نعلم بداهةً أن الطبيعة مفيدة لنا كبشر، ولكن النتائج جاءت أكثر من رائعة".
وكشفت الدراسة – على نحو علمي - حدوث تحسن كبير في صحة المشاركين، وشعورهم بالسعادة، وارتباطهم بالطبيعة، وتبنيهم سلوكيات فعالة صديقة لها؛ مثل إطعام الطيور وزراعة الزهور لكي يرتشف منها النحل الرحيق، وذلك ليس فقط خلال مشاركتهم في المشروع، وإنما لشهور طويلة تلت انتهاءه.
وكان من اللافت، حسبما تقول ماكروبرت، أن عدد من أفادوا بأن صحتهم باتت "ممتازة" زاد بنسبة 30 في المئة. وقد جرى التكهن بحدوث هذا التحسن في الصحة، بفعل ما سُجل من زيادة في الشعور بالسعادة، وشكل التغير في العلاقة مع الطبيعة همزة الوصل بين هذين الأمرين.
وعززت نتائج هذه الدراسة مجموعة متنامية من البراهين، التي تظهر بالقطع مدى حاجتنا للتواصل مع الطبيعة، من أجل تحسين أحوالنا الصحية وزيادة ما ننعم به من سعادة.
فعلى سبيل المثال، تبين أن الأطفال الذين احتكوا بالطبيعة أبدوا ثقة متزايدة في النفس، كما شعروا وكأن الطبيعة تلقنهم دروسا فيما يتعلق بكيفية الإقدام على مجازفات ومخاطر، وإطلاق العنان لقدراتهم الإبداعية، ومنحهم فرصة للتدريب والتجريب واللعب والاستكشاف.
وفي بعض الحالات، ظهر أن الاحتكاك مع الطبيعة يؤدي إلى التخفيف بشكل كبير من الأعراض التي يعانيها الأطفال المصابون بما يُعرف بـ" قصور الانتباه وفرط الحركة"، إذ يوفر لهم هذا التفاعل تأثيرا مهدئا، ويساعدهم على التركيز.
أما بالنسبة للبالغين المصابين بأمراض جسدية أو اضطرابات عقلية مثل الاكتئاب والقلق، فقد يفيدهم التفاعل مع الطبيعة – بجانب استخدام الأدوية التقليدية - في كبح جماح الأعراض التي تنتابهم جراء هذه الأمراض أو الاضطرابات، بل وربما التعافي منها.
وتقول ماكروبرت: "الطبيعة ليست ترياقا سحريا للأمراض، ولكن بمقدورنا عبر التفاعل معها وتخصيص وقت لذلك، والإحساس بها وتقدير قيمتها، أن نجني ثمار الشعور بأننا أكثر سعادة وصحة".
نمط حياة صحي
ويرى د.مايلز ريتشاردسون رئيس قسم علم النفس في جامعة ديربي، الذي أشرف على تنفيذ مشروع "30 يوما من الحياة البرية" أن نتائجه مهمة، سواء من الوجهة الإحصائية أو من الناحية العملية التطبيقية.
فبحسب قوله، شكل ذلك المشروع حملة واسعة النطاق شملت أكثر من 18 ألفا و500 مشارك التزموا بأداء نحو 300 ألف سلوك وفعل عشوائي ذي صلة بالحياة البرية. وقد صُوّرت هذه المبادرة، ليس على أنها حملة تستهدف تحسين الصحة العامة، وإنما مبادرة من الممتع المشاركة فيها.
ويضيف بالقول إن تصميم هذه الحملة وطريقة تقييمها جريا على نهج جُرِبَ من قبل وثبتت صحته في تقييم مبادرات على هذه الدرجة من الضخامة وهو ما يشكل "خطوة مهمة".
ووفقا لـ"د.ريتشاردسون"تشير أدلة بحثية إلى أن التفاعل مع الطبيعة يمكن أن يقلل ضغط الدم المرتفع، ويخفف من متاعب الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية، ويزيد من نشاط المرء ويُحسن حالته المزاجية".
كما تفيد هذه الأدلة بأن من شأن ذلك التفاعل تحسين بعض جوانب الصحة النفسية والعقلية، مثل تخفيف الشعور بالقلق والإرهاق الذهني واستعادة القدرة على الانتباه والتركيز.
ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك، فقد تبين أن شعور المرء بأنه جزء من الطبيعة يرتبط طرديا مع إحساسه بالحيوية والسعادة والرضا عن الحياة، وكذلك مع شعوره بالانتباه والتيقظ وبأن له أهمية في الحياة، فضلا عن ارتباط ذلك بتراجع ما يُعرف بـ"القلق المعرفي".
ويقول ريتشاردسون إن هذه العلاقات مماثلة في أهميتها لتلك التي وُجد أنها تربط رفاهية المرء وتحسن أحواله بمتغيرات أخرى مثل الزواج والتعليم، وهي متغيرات ثبت أن هناك "علاقات راسخة للغاية" توجد بينها وبين الشعور بالسعادة.
ويضيف بالقول إن تحليلات جرت حديثا كشفت عن أن من يرتبطون بصلات قوية مع الطبيعة، يشعرون بقدر أكبر من الرضا عن الحياة، وأن هذه الصلات تخلّف تأثيرات إيجابية عليهم وتمنحهم مزيدا من الحيوية، بمستويات مماثلة لتلك الناجمة عن عوامل معروفة سلفا، كونها تحقق الرضا للإنسان، مثل ارتفاع دخله الشخصي.
وأوضح أن ثمة فهما بدأ يتكشف لطبيعة المسارات والأنشطة التي يمكن أن تفضي إلى تعزيز الصلة مع الطبيعة. وهنا يمكن القول إن المناهج التعليمية التي تتضمن أنشطة إبداعية تعزز هذه الصلة على المدى القصير، فيما لا يتحقق ذلك نتيجة للأنشطة المماثلة القائمة على المعرفة.
وقد اعتبرت جامعة ديربي أن المسارات التي تساعد الإنسان على الشعور بأنه أكثر قربا من الطبيعة تتمثل في المفاهيم التالية "التواصل، العاطفة، الإحساس بالمعنى، والشعور بالرأفة والشفقة، والتفاعل مع الجمال الطبيعي". بل إنه ثبت أن الأنشطة المرتبطة بتلك المسارات، تزيد بشكل كبير من الارتباط بالطبيعة، مقارنة بمجرد سير المرء وحيدا في جنباتها، أو دخوله في البيئات الحضرية أو احتكاكه بها.
وعلى الجانب الآخر، لم يثبت أن للأنشطة التي تتسم بطابع علمي أكثر وتقوم على المعرفة دورا في المساعدة على تعزيز العلاقة بين البشر والطبيعة.
ولاشك في أن هذه العلاقة متبادلة، فمثلما ثَبُتَ أن التفاعل مع الطبيعة يكتسي بأهمية واضحة بالنسبة لصحة الإنسان وسعادته، من المؤكد أن ذلك التفاعل نفسه مهمٌ كذلك لحماية الطبيعة والبيئة.
وتبين لوسي ماكروبرت: "إذا ما كان بمقدورنا مساعدة البشر على التواصل مع الطبيعة، فإن ذلك لن يكون مفيدا بالنسبة لهم وحدهم، وإنما سيشكل كذلك نبأ عظيما للطبيعة". وتوضح ماكروبرت السبب في ذلك بالقول إنه كلما زاد عدد من يهتمون – من حيث الجوهر- بالطبيعة المحيطة بهم، وبقيمتها وتأثيرها الإيجابي على حياتهم، زادت رغبة هؤلاء في حمايتها من الدمار.
وتقول ماكروبرت: "إننا نأمل في أن تُظهر (تلك) النتائج أن الطبيعة ليست مجرد شيء لطيف (بالنسبة لنا) – رغم أن لها قيمة هائلة في حد ذاتها – (وإنما) هي في الأساس مهمة لصحتنا ورفاهيتنا وسعادتنا، وأن ذلك يجب أن ينعكس في منظومتنا التعليمية، وفي الطريقة التي نتعامل بها مع من يعانون من أمراض جسمانية أو اضطرابات عقلية وذهنية، في الطريقة التي نشيد بها المنازل ونؤسس البنية التحتية، وكذلك في الكيفية التي ندلف من خلالها للمساحات الخضراء الموجودة في مدننا، والسبل التي نحمي بها هذه المناطق أيضا".
وتضيف بالقول: "نريد في نهاية المطاف أن نرى الجميع وهم يتخذون خطوات لإصلاح حال الطبيعة؛ من أجلها ومن أجلنا" أيضا. - (بي بي سي)