الطريق إلى المنامة

تعمل الولايات المتحدة الاميركية بكل قوتها لتمرير صفقة قرنها التي بشرت بها، وهي بعد ان أنهت المرحلة الاولى من تلك الصفقة من خلال نقل سفارتها الى القدس المحتلة والاعتراف بضم الكيان الصهيوني الجولان السوري والقدس الفلسطينية المحتلتين، وانسحاب واشنطن من منظمة اليونسكو والانروا وغيرها من المنظمات الدولية الشاهدة على الحق الفلسطيني، وضغطها المتواصل لفتح خطوط تطبيعية بين الكيان الصهيوني ودول عربية، والتضييق على السلطة الوطنية الفلسطينية بشتى الطرق.اضافة اعلان
بعد كل ذلك، ها هي الولايات المتحدة تبدأ خطوة جديدة من مراحل صفقة القرن من خلال دعوتها لمؤتمر اقتصادي يضم دول الشرق الاوسط وغيرها يعقد في البحرين في الفترة من 25-26 من الشهر المقبل، بأمل أن يغري الحديث عن الرخاء الاقتصادي الذي ستعكسه صفقة القرن، دول المنطقة لتحفيزها الدخول اكثر في صفقتها المشبوهة والمنحازة، وهي تطمح من خلال ذلك للتأسيس لوجود صهيوني في خواصر دول عربية مختلفة، وفتح آفاق تعاون اقتصادي بينهما ليصبح لاحقا تعاونا سياسيا.
دول عربية أعلنت مشاركتها في مؤتمر البحرين، ودول اخرى ما تزال تتريث في اتخاذ قرار المشاركة من عدمه، ودول تعتقد ان المشاركة والتنبيه لخطورة صفقة القرن وإعلان الرفض لها افضل من عدم المشاركة، واصحاب هذا الرأي يرفعون شعارا بأن حضور المؤتمر بوفد منخفض التمثيل وإسماع العالم وجهة نظر تلك الدول، افضل من الغياب الكلي وترك الساحة للآخرين.
بالمقابل فإن منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها عربيا كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني دعت الدول العربية لعدم المشاركة في اجتماع المنامة والانسحاب منه، وتلك الدعوة من شأنها إرباك المشهد برمته، وستضع دولا عربية مشاركة في الاجتماع تحت سيف النقد الشعبي والنظر للمشاركين نظرة المؤيدين ضمنا لصفقة القرن وشق الصف العربي الرسمي الذي عبر عنه بقرارات القمم العربية.
محليا، فإن الدعوة الاميركية للمؤتمر الاقتصادي في البحرين ترفضه احزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني ونواب وساسة، ومسؤولون سابقون، فيما ما تزال الحكومة تتريث في اعلان موقفها من المشاركة في مؤتمر المنامة.
موضوع مؤتمر البحرين يتطلب التفكير بشكل بارد بعيدا عن الشد والجذب، وهنا يتوجب استحضار كل المراحل التي حصلت على مدار اكثر من عام، وفِي هذا السياق يتوجب استذكار ان الموقف الرسمي الرافض لنقل السفارة الاميركية للقدس، واعتراف واشنطن بضم الجولان والقدس ورفض التوطين والغاء حق اللاجئين كلها مواقف أسست لحالة انسجام رسمي وشعبي، وهو الامر الذي ظهر من خلال الالتفاف الشعبي الكبير حول الموقف الرسمي، وهو التفاف لم يتحقق بعد الموقف من حرب الخليج.
الحكومة عليها ان تقرأ ذاك بشكل جيد، وتعي ان كل المبررات التي قد تسوقها لجهة المشاركة في مؤتمر البحرين لن تكون ذات قيمة في ظل الموقف الأردني الشعبي الرافض للمؤتمر حتى قبل ان يعقد، والحكومة عليها ايضا أن تعي أن الكلام بأن المؤتمر فرصة لتسويق الأردن اقتصاديا لن يجد آذانا صاغية داخليا، لاسيما وأن الموقف في هذا الصدد واضح، وبالتالي فإن المطلوب منا حميعا عدم خسران حالة الالتفاف غير المسبوق والتعاضد بين الرسمي والشعبي، وهي حالة يجب ان نبني عليها جميعا ونعززها بكل قوة، ولذا فإن أي مشاركة مهما كان تبريرها لن تقنع أحدا، وخاصة ان الجميع يعرف حجم الضغوط التي تعرض لها الأردن اقتصاديا، وكان لبعض الدول التي ستشارك في اجتماع المنامة دور فيها.
نهاية القول، فإن الحكومة عليها ان تحسب موضوع المشاركة او عدمها في مؤتمر المنامة بميزان الذهب، وتبعث رسالة ترفع من حجم الالتفاف الشعبي الكبير حول الموقف الرسمي من القدس والتوطين والمقدسات.