الطريق التي لم يستكملها حزب الله

أطلّ أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، مجددا عبر شاشة عملاقة على أنصاره، يوم الجمعة الماضي، ليتحدث عن أمور منها المواجهة مع إسرائيل، وأحداث سورية.
أكد نصرالله تنامي القدرات العسكرية للحزب، وقدرته "على ضرب أهداف محددة جدا في تل أبيب، بل في كل مكان من فلسطين المحتلة". مضيفا أنه "انتهى الزمن الذي نخرج فيه من بيوتنا ولا يخرجون فيه من بيوتهم.. انتهى الزمن الذي نُهجّر فيه ولا يُهجّرون.. انتهى الزمن الذي تُدمر فيه بيوتنا وتبقى بيوتهم. بل أقول لكم: جاء الزمن الذي سنبقى فيه وهم إلى زوال".اضافة اعلان
لدى نصرالله حتى الآن مصداقية عالية عندما يتعلق الأمر بمواجهة إسرائيل، ولذلك يمكن استنتاج أن قوة الردع لدى الحزب أصبحت أهم وأكبر. وهذا يؤكد أنّ ورقة المقاومة المسلحة لا يجوز استبعادها من المعادلة. ولكن في الوقت ذاته، فإنّ حدود دور الحزب هي الردع؛ أي لا يوجد لديه مشروع لتحرير فلسطين. وطبيعي أنّ يبدو هذا واقعيّا، وقد يبدو عبثاً توقع أكثر من ذلك، فمسؤولية التحرير لا تقع على عاتقه وحده.
كان اكتفاء حزب الله بموقع الردع العسكري، بعد العام 2000، مبَرراً بالحسابات الوطنية اللبنانية، وبتوازنات القوى وعدم إمكانية تحميل لبنان أكثر مما يطيق. وبدا هذا ارتداداً وطنيا حميداً؛ بمعنى أنّ الحزب سيتجه الآن إلى لعب دور سياسي داخل لبنان. وكان سيغدو إنجازا تاريخيا لا على المستوى اللبناني وحسب، بل وعلى مستوى تاريخ المنطقة، لو نجح الحزب في الخروج من الخطاب الطائفي ووضع صيغة لبنانية لحراك سياسي جديد، يقود إلى تغيير في المنطقة كلها. ولكن هذا لم يحدث؛ وتكرّس دور الحزب باعتباره ممثلا للطائفة الشيعية، حصراً وتحديداً. وسمح رصيد المقاومة وحسن العلاقة مع المقاومة الفلسطينية الإسلامية، بالتماس الأعذار للحزب، بل والتسليم دون جدل تقريبا بكل المبررات، وبالاتهامات التي وجهها للقوى اللبنانية الأخرى (وهي مثله قوى طائفية بامتياز، سواء أكانت تعادي إسرائيل وترفضها، أم كانت تملك الماضي الأسود في التعامل مع إسرائيل).
كان الوصول إلى معادلات سياسية جديدة في لبنان من شأنه، ربما، أن يوجد أساسا لحراك شعبي عربي وإسلامي جديد أوسع من لبنان، يساعد على إيجاد حركة لتحرير فلسطين بمفاهيم وأفكار جديدة. ولكن الحزب رضي بالمعادلات الطائفية الداخلية، أو سلّم بها. وأصبح حسن نصرالله صريحاً في إعلان التبعية لطهران، بإعلان تمسكه بفكرة ولاية الفقيه التي تلغي عمليّا أي استقلالية وطنية لأتباعها، وحتى هذا بدا للبعض هامشيا طالما أنّ فيه شقا ضد إسرائيل.
ثم جاء انفجار الوضع في سورية. ويلخص نصرالله موقف حزبه مما يحدث هناك، في خطابه الأخير، بقوله: "نحن نزداد قناعة بأنّ هناك من يريد تدمير سورية؛ أميركا والغرب وإسرائيل (..) لأنهم يريدون التخلص من الداعم الأساسي للمقاومة في لبنان وفلسطين".
استنزفت فداحة جرائم النظام السوري من رصيد انتصارات المقاومة كثيراً، فانسحبت شرائح كبيرة من موقع التسليم بكل ما يقوله الحزب، ورفضت قبول اتهامات المؤامرة والعمالة التي أطلقها النظام السوري، وأيده فيها الحزب ضد خصومه. أي إنّ الاتهامات التي صدقها كثيرون في لبنان لم يصدقوها بشأن سورية.
السؤال الذي يطرح نفسه بشأن موقف الحزب مما يحدث في سورية، هو ذاته الذي يتعلق بكثير من مواقفه اللبنانية الداخلية، وهو: لماذا هذا الفشل وعدم طرح خطاب إصلاحي حقيقي، والارتهان للتحالف مع نظامي دمشق وطهران، دون حساب للمواطن وحقوقه وحرياته، وبدون الخروج من الطائفية السياسية؟ إذا كان نظام دمشق هو الداعم الأساسي للمقاومة في لبنان وفلسطين، فهل يفترض نصرالله أنّ الشعب السوري سيختار شيئا سوى دعم المقاومة لو سُمح له بالاختيار؟ لماذا لم يقم الحزب بطرح مبادرة يمكن أن ترضي كثيرا من أطياف المعارضة السورية لديمقراطية حقيقية ووطنية في سورية، لا تستبعد خيار تغيير حكم عائلة الأسد؟
لقد اختصر الحزب موقفه بدعم النظام الحاكم، وتخوين سواه، وربط أي إصلاح بقرار ورضى هذا الحكم العائلي الدموي، ولم يفسر لنا كيف يجتمع قمع المواطن مع دعم المقاومة!