الطريق الصعب

من نافلة القول، أن الحريات أساس الدولة الحضارية، وأن الدولة تكفل حرية القول والفكر والمعتقد، وصولا لدولة عمادها القانون وسيادته، والمواطنة وتعميمها على الجميع، والإصلاح لا يمكن أن يستقيم دون أن تكون له روافع تدعمه، وحواضن تصل بنا للدولة المدنية التي نسعى اليها. ولا يمكن أن تستقيم الحريات والإصلاح ودولة المؤسسات والقانون دون أن يكون هناك قرار حقيقي لدعم الإصلاح والوصول به للمكان الذي نريد والذي نتحدث عنه بشكل عام في المناسبات العامة والخاصة. بهذا الشكل يمكن أن نضع قدما لمرحلة جديدة نؤسس بها لإصلاح حقيقي وديمقراطية نؤسس فيها لدولة المؤسسات والقانون وصولا لمكان نتنفس من خلاله رياحا ديمقراطية ينتج عنها مؤسسات دستورية وبرلمانية نصل من خلالها لمرحلة تشكيل الحكومات من رحم مجالس النواب دون تدخل أو ضغط من أي طرف. لسنا هنا في مرحلة تشخيص للمرحلة فقط، وإنما لوضع نقاط على حروف الحقيقة التي تمكننا من الوصول لدولتنا التي نريد، دولة مدنية حضارية عصرية، ننطلق بها ومن خلالها لإصلاح حقيقي لكل مناحي الحياة، إصلاح سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، وإداري، وهذا يتطلب وقفة صريحة وواضحة مع الذات، وقفة من خلالها نشخص واقعنا الحالي ونشخصه بتأن وشفافية. دون شفافية لن نستطيع حل مشاكلنا سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإدارية، نعترف من خلالها أن واقعنا الاقتصادي سيئ ويتطلب نقلة نوعية وتغييرا للنهج بشكل عام، والذهاب باتجاه الاعتماد على الذات زراعيا وصناعيا، وتعزيز المشاريع الصغيرة ومتابعة نموها، ودعم الشباب وتعزيز أفكارهم الإبداعية، ودعم المرأة والإيمان بدورها الحقيقي في المجتمع كعنصر نمو وتعزيز للقوة الاقتصادية للبلاد. ووقفة سياسية، نعزز فيها دور الأحزاب في المجتمع، ونبذ الفكر الاقصائي، والجهوي، والاقليمي، والعشائري، ونعزز دور البرلمان والبلديات كمحفزات نمو، ونمنح مجالس المحافظات دورها الحقيقي والواقعي في الحياة العامة، ودورها الذي أوكلت له، وإبعادها عن المناحرات السلبية. كما أننا بحاجة لوقفة اجتماعية نشخص فيها ومن خلالها واقعنا الحالي، وندرس المتغيرات التي حصلت، وخاصة ارتفاع وتيرة العنف المجتمعي، وانتشار ظاهرة المخدرات بشكل مؤرق، ونقرأ فيها جيدا مسببات العنف الطلابي الذي بتنا نشهدها بين فترة وأخرى، وندرس ظواهرها ونضع معالجات حقيقية لها. كما نحتاج لوقفة لمعالجة الاختلالات الإدارية التي نراها في مؤسساتنا الحكومة، ودراسة حالة الكسل التي تصيب بعض موظفي الدوائر الحكومية والتي تؤثر على الانتاج بشكل عام، ووضع حد للانفلات الإداري الذي نشهده في الشوارع من خلال استخدام سيارات الحكومة بغير وجه حق، وقراءة ما يرد في تقارير ديوان المحاسبة بشكل جيد، ومتأن ومعالجة الاختلالات التي أشير إليها في تقارير الديوان السنوية. الحقيقة، لسنا كما ينبغي، ولسنا بخير، وضعنا الاقتصادي سيئ، والسياسي مكانك سر، وما زلنا طوال ثلاثين عاما نسير في نفس الدائرة دون الخروج منها، ووضعنا الاجتماعي لا يسر، كما أن وضعنا الإداري سلبي ومؤرق، وإن واصلت الأمور بالسير في ذات الطريق فإننا سنواجه أمورا أصعب، ولذا فإن الحال يتطلب وقفة إصلاحية حقيقية نشخص فيها كل ما نمر به من سلبيات بشكل حقيقي، وشفاف، ونضع حلولا حقيقية لها، ونبتعد عن الدوائر ذاتها التي كنا نمر بها، ونبتكر مقاربات جديدة لا ندخل فيها في مربعات تدفعنا للخلف وتشدنا للوراء، أو صرخات الهدف منها البقاء في مكاننا دون إصلاح حقيقي وواقعي وملموس، إصلاح يصل بنا للمكان الذي يجب أن نكون فيه. الاعتماد على الكلمات فقط لا يفيد، وتقييد الحريات لا ينتج عنه حالة انطلاق حقيقية، وكبت حرية الناس واعتقالهم سيبقينا في الدوائر ذاتها التي لم تنتج لنا سوى وضع اقتصادي سلبي، وظروف اجتماعية خانقة، وترهل إداري يتوجب معالجته.اضافة اعلان