الطريق الطويل إلى حرب ترامب

صواريخ تنطلق من حاملة طائرات أميركية في اتجاه قاعدة جوية سورية -(أرشيفية)
صواريخ تنطلق من حاملة طائرات أميركية في اتجاه قاعدة جوية سورية -(أرشيفية)

صامويل موين، ستيفن فيرثيم* - (نيويورك تايمز) 10/4/2017

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

أصبحنا نعرف الآن كم عدد صواريخ الكروز التي تحتاجها لتتحول من منبوذ إلى عضو محترم في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية: 59 –هو عدد الصواريخ التي أطلقها الرئيس ترامب على القاعدة الجوية التابعة للحكومة السورية قبل أسبوعين. وفي تلك المناسبة، قال مضيف محطة "سي. أن. أن" التلفزيونية الأميركية، فريد زكريا، منفعلاً: "أعتقد أن دونالد ترامب أصبح الآن رئيساً للولايات المتحدة".اضافة اعلان
مع ذلك، فإن إطلاق صواريخ على قاعدة جوية نصف فارغة لا يعوض عن الافتقار إلى رجال فطنين في السياسة الخارجية، ناهيك عن استراتيجية للتعامل مع الشرق الأوسط الذي استهلك الدم والخزينة الأميركيين لنحو 15 عاماً على الأقل. وفي الحقيقة، يبدو من المرجح أن يدفعنا ترامب، من خلال خطة أو بالمصادفة، أعمق في أتون القتال، مهما يكن ما وعد في سياق الحملة الانتخابية.
في الأسابيع المقبلة، سوف نعيش نقاشاً طويلاً حول الطريق الذي ستسلكه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن السؤال الذي سيسأله المؤرخون، بعد عقود من الآن، هو: كيف فشلت تلك الأعوام الخمسة عشر من التعثر في تعليمنا أي شيء؟
ذات مرة، كتب الروائي فييت ثان نغوين: "كل الحروب تخاض مرتين، المرة الأولى في الميدان والمرة الثانية في الذاكرة". وقد فهم الأميركيون أن فيتنام كانت هزيمة مؤلمة، والتي تتطلب تفكيراً جديداً. وفي السبعينيات،  عكفوا على تأمل طويل في تداعياتها، وأصبحوا رواداً في ترويج حقوق الإنسان، وأكدوا سيطرة الكونغرس على صلاحيات إعلان الحرب.
لكنه لم يكن هناك أي تأمل مشابه حتى من بعيد في أعقاب حرب العراق—فيما يعود في الجزء الأكبر منه إلى أن الرئيس باراك أوباما وجد طريقة لتجنب ذلك.
لقد عارض السيد أوباما الحرب بطبيعة الحال، وهو موقف كان وراء صعوده إلى سدة السلطة. ولكنه، مثل معظم المنتقدين، أنحى باللائمة في الحرب على إدارة جورج دبليو بوش وما يفترض أنه غطرستها غير العادية. وقال السيد أوباما قولته المشهورة: "لطالما عارضت الحروب الحمقاء".
وهكذا، عندما تولى السيد أوباما سدة الرئاسة تصرف هو ومعظم أنصاره ومؤيديه وكأن التغيير في قمة الهرم قد دفن المشكلة. لكنك إذا كنت قد ضقت بالتهور في قرارات بوش، فإن السيد أوباما سيفكر بعناية. وإذا أقلق التعذيب الذي أقره السيد بوش ضميرك، باستطاعتك أن تنعم بالراحة وأنت متأكد أن السيد أوباما لن يقر التعذيب، (على الرغم من أنه قد يرسل الطائرات من دون طيار لتقتل).
لكن أعوام أوباما أفرزت مفارقة: لقد توسعت المعارضة لحرب العراق، لكنها لم تتعمق. ومع حلول العام 2014، قالت نسبة منخفضة بشكل قياسي فقط، بلغت 18 في المائة من الأميركيين، أن تلك الحرب كانت جديرة بالتكاليف، وفق استطلاع أجرته شبكة الأخبار "سي. بي. أس" وصحيفة "نيويورك تايمز". ومع ذلك، لم يعقب ذلك أي انتهاج لسياسة معادية للحرب.
لقد تجنب الساسة والمفكرون السؤال عن الشيء الذي سيمنع الولايات المتحدة من شن حرب عدوانية في المستقبل -معولين على حكمة نفس الشعب الذي كان إما صادقا -أو عارض بشكل ضعيف- خوض الحرب في المقام الأول.
هذا يفسر لماذا استطاع السيد ترامب في العام 2015 أن يدير حملة ثانية مناهضة للحرب، مستفيداً من مستودع الارتباك والغضب والحزن بسبب حرب العراق. وفي كارولاينا الجنوبية الصديقة لبوش والموالية للجيش، هاجم السيد ترامب الحرب واعتبرها "أسوأ قرار" تم اتخاذه في التاريخ الأميركي. وقال: "لقد زعزعنا استقرار الشرق الأوسط". وتسببنا في صعود "داعش" وفي نشوب الصراعات في ليبيا وسورية. وفي كل نقاش رئاسي، أعاد السيد ترامب التأكيد على أنه كان قد عارض حرب العراق منذ البداية –باعتبار ذلك دليلاً على أن بوسع الناخبين إيلاءه الثقة كقائد عام للقوات، وتجاهل جوقة خبراء الأمن القومي الذي قرروا أنه غير مناسب.
لكن ذلك الدليل كان زائفاً: لقد خرج السيد ترامب ضد الحرب فقط بعد أن كانت قد اندلعت. لكنه بدا بقوله كلاما زائفاً وكأنه يكشف حقيقة أكبر. وبينما اعترفت هيلاري كلينتون بخطئها في التصويت لصالح الذهاب إلى الحرب، فإنها استبعدت الموضوع من النقاش العام، وكأن الدرس الذي يجب أن يستقى هو عدم السماح مرة أخرى لجورج دبليو بوش بغزو العراق في العام 2003. وأصبح على عاتق ترامب الاعتراف بالحرب ككارثة ضمنت تغييراً مهماً. وتمثل خطأ أميركا الكبير في الخلط بين حساباته السياسية وبين الحكمة.
الآن، وقد كثف ترامب الانخراط العسكري الأميركي في العراق وسورية واليمن، فإن الأمر قد ينتهي به وقد كرر نمط سلفه في شن حملة معادية للحرب، مع الحكم بالحرب الأبدية. بالكاد يستطيع جاريد كوشنر وستيفن بانون وريكس تيلرسون تحسين حكم السياسة الخارجية القديمة التي كان السيد ترامب قد شجبها. ويتطلب تبنيه غير المناسب لإقرار التعذيب والذي يغضب جمهوره الليبرالي أكثر مما يغضبه خروجه على أي محظور، يتطلب الإدانة. ولكن، إذا فشل معارضو السيد ترامب في تقدير كم استفاد من أخطائهم الجيوسياسية وتخليهم عن تحمل المسؤولية، فإنهم سيخاطرون بهزيمة مستمرة.
بعد فيتنام، أدرك الشعب الأميركي وجود كارثة أميركية. وعكفوا على فترة مستدامة من التأمل الذاتي وتطوير السياسة. وعلى الرغم من الاضطراب والجلبة في تلك الحقبة، فقد عكس الرفض المعلن والقوي تصميماً على وضع الأمور في نصابها على الأقل. ويشير فوز السيد ترامب إلى أننا عندما نعيش كارثتنا الخاصة، فإننا نفشل في الاعتراف بالماضي ونمهد الطريق لمستقبل أكثر إخافة ورعباً.

* صامويل موين أستاذ القانون والتاريخ في جامعة هارفارد؛ وستيفن فيرتيم: زميل في التاريخ في كينغز كوليج في جامعة كمبريدج.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Long Road to Trump’s War