الطفل الذبيح

يوما بعد يوم، تؤكد مجريات الأحداث في سورية بأنه لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه معارضة معتدلة، فقد أثبتت الأيام أن لا معارضة معتدلة تحمل السلاح في سورية، وأن المعارضة الحقيقية لا يمكنها قتل شعبها، وتشتيت شمل بلادها، وسحل شيبها وشبابها.اضافة اعلان
عندما كنا نقول إن الإرهاب له وجه واحد، ولا دين له، كان يخرج علينا من يتهم كل من يقول ذلك بالتشبيح حينا ومناصرة النظام السوري حينا آخر، وعندما كنا نقول إنه لا يوجد معارضة مسلحة معتدلة وأخرى إرهابية، كان يخرج علينا من يقول إننا ضد الديمقراطية ونناصر الدكتاتورية.
أولئك لم يكن يسمعون إلا ارتدادات أصواتهم، ولم يقرأوا ما كنا نقوله من أن المعارضة هي السلمية الديمقراطية التي لا تتبنى شريعة الغاب، ولا تقتل الأطفال نحرا أمام كاميرات التصوير.
الطفل عبدالله عيسى (12 عاما) قتلته حركة تطلق على نفسها "نور الدين زنكي" نحرا من الوريد للوريد، وبثت مقطع الفيديو للعالم المتحضر، الذي كان يوهمنا قبل بث شريط القتل بأنه يوجد في سورية معارضة مسلحة معتدلة، وكانت الولايات المتحدة تدعم أولئك القتلة لوجستيا وعسكريا، وتدافع عنهم وتتبنى خطابهم.
القتلة خيروا ابن الـ12 ربيعا بين القتل رميا بالرصاص أو الذبح، فاختار القتل بالرصاص، ولكن القتلة أرادوا غير ذلك فقتلوه نحرا بسكين صغير، وبثوا منظر إرهابهم للعالم، ليرى بأم عينه بأنه لا يوجد معارضة معتدلة في سورية، وأن "داعش" و"النصرة" لا تختلفان كثيرا عن حركة نور الدين زنكي أو أي حركة معارضة مسلحة أخرى.
الطفل عبدالله عيسى قتلوه نحرا بدم بارد، في حلب، وتوعدوا بنحر كل أهل حي جندرات، ومنظمات حقوق الإنسان ودول العالم المتحضر وكل الكيانات الأخرى وقفت مصدومة وهي تشاهد منظر النحر من الوريد للوريد، ورغم ذلك مر شريط النحر كأن شيئا لم يكن، فالدم في سورية بات باردا لم يحرك مروءة أولئك المتحضرين، وخاصة أن النحر جاء من حركات مدعومة ماليا ولوجستيا من قبلهم.
فيا عبدالله، لا فرق بين "داعش" وغيره، فكلهم قتلة مجرمون، يحملون سلاحهم ضد بلدهم، يقتلون صبيانه وفتيته ويسبون نساءه، ويعملون على تفتيت دولتهم.
من فعل ذلك قتلة وإرهابيون لا يعرفون ماذا تعني المعارضة، ولا يعرفون ماذا تعني الدولة المدنية، ولا يعرفون شرعة حقوق الإنسان، أولئك لا يعرفون إلا القتل وسيلة للحوار، ويجدون من يدعمهم ويدعم إرهابهم، ويمولهم بالعتاد والرجال.
يا عبدالله، قتلوك بدم بارد، نفذوا أوامر أسيادهم، بيد أن دمك كشف حقيقة اعتدالهم، وزيف ادعائهم، وبين للعالم أن لا فرق بين وحشية "داعش" والاعتدال الوهمي لحركة نور الدين زنكي، فكلاهما يشربان من نفس النبع، ويعتمدان نفس أسلوب القتل.
يا عبدالله، دمك برقابهم، برقاب من مول ودعم، من أعطى الأوامر، من أمرهم بقتل الشعب السوري وتفتيت أوصال البلاد، وتهجير العباد وترميل النساء وتيتيم الأطفال.
أما أولئك الذين لا يسمعون سوى صوتهم، لا يعرفون أن الخلاف في الرأي ووجهات النظر حالة ديمقراطية لا يعرفونها، فعليهم إعادة التفكير جيدا بحقيقة أولئك القتلة، وإعلان توبتهم وندمهم على مناصرة تنظيمات تقتل الأطفال بدم بارد، وأن يؤمنوا أن الحل السوري لا يأتي إلا بدولة مدنية ديمقراطية، يقررها الشعب السوري وحده، وليس أي دولة أخرى سواء إقليمية أو عالمية، وأن المعارضة لا تحمل السلاح لقتل أبناء جلدتها، فهل يعي أولئك أن لا فرق بين معارضة معتدلة وأخرى إرهابية، وان جميعهم ديدنهم القتل ولا شيء غيره!