الطفيلة: شظف العيش يدفع بسكان 5 قرى لهجرتها - فيديو

أطلال منازل في قرية المعطن بالطفيلة التي لم يعد يسكنها أحد - (الغد)
أطلال منازل في قرية المعطن بالطفيلة التي لم يعد يسكنها أحد - (الغد)

فيصل القطامين

الطفيلة – لم يبق من إرث خمس قرى بمحافظة الطفيلة، سوى إطلال منازل قديمة، يخيم عليها السكون، بعد أن هجرها سكانها، الذين كانت تتجاوز أعدادهم أكثر من 15 الف نسمة قبل ثلاثة عقود، مدفوعين بقسوة ومرارة الحياة، بحثا عن مكان آخر يجدون فيه لقمة العيش، لتتحول قراهم الى خاوية إلا من بعض من ظل فيها والذي لا يزيد عددهم حاليا على 45 شخصا.اضافة اعلان
ضباعة، والنمتة، والسلع، والمعطن، وضانا، قرى في محافظة الطفيلة، كانت معمورة بسكانها قبل أقل من عقدين، لم يعد يسمع في أغلبها سوى هزيز الرياح الذي ينحت بجدران منازلها قصة هجران مؤلمة، فيما يطبق الصمت الموحش عليها في ليالي الصيف الساكنة، بعد أن كانت مفعمة بضحكات المزارعين على بيادر القمح، والذين التحق معظمهم بالوظائف الرسمية.
فقرية المعطن التي كان يقطنها اكثر من الف وخمسمائه نسمة لم يعد يسكنها حاليا احد، فيما قرية ضانا التي كان يقطنها 3 آلاف نسمة، لا يقطنها احد حاليا هي ايضا.
ولا تبتعد حال ثلاثة قرى اخرى عن حال هاتين القريتين، اذ ان قرية النمتة التي كان يسكنها 4 آلاف نسمة، والسلع 5 آلاف نسمة، وضباعة الفا نسمة، لم يعد يسكن كل منها اكثر من 15 شخصا، لا يجد جميعهم سوى العمل في تربية المواشي والدواجن.
القصة بدأت عندما انتهت سبل الحياة الكريمة بهذه القرى، كما يقولون، فمن شظف الحياة الى قلة الخدمات والموارد، او تواضعها ان وجدت، فيما الأقسى من ذلك العزلة التي فرضها مكان هذه القرى البعيدة عن اي طريق رئيسي، لتدفع بالعديد من الاسر لخيار الهجرة، تاركين وراءهم تاريخا طويلا توارثوه عن أجدادهم علهم يجدون حياة افضل في العاصمة عمان أو في مناطق أخرى بمحافظات أخرى.
ويروي الأربعيني محمد الربيحات أحد البقية القليلة التي ظلت تقطن قرية ضباعة شمال الطفيلة، قصة القرية قائلا إن "عدد سكان القرية حاليا لا يتجاوز الخمسة عشر فردا، فيما أسرته الوحيدة التي ظلت تقطن كاسرة مؤلفة من خمسة أفردا في القرية حتى الآن".
ويؤكد الربيحات أن عدد سكان القرية قبل نحو 30 عاما كان يزيد على ألف نسمة، لافتا إلى ان هناك عدة أسباب دفعتهم إلى الرحيل منها، وأهمها نضوب مصادر الرزق فيها بعد انحسار الأمطار وتراجع الزراعة، اضافة الى بعد القرية عن الطريق الرئيس وهي بذلك تعتبر من القرى المعزولة، بالرغم من وقوعها على طريق يربط بين قريتي عيمة وارحاب، إلا أن تلك القرى أيضا هي من القرى المعزولة، ما يعني أن الخروج من العزلة كان يقود إلى عزلة اخرى.
ويبين أن قلة الخدمات وتواضعها علاوة على تأخر وصولها إلى القرية دفعت إلى هجرة سكان القرية إلى عمان، وبعض المناطق المجاورة،  فعلى سبيل المثال فإن مدرسة القرية التي لم تكن تستوعب الطلبة إلا للصف الخامس، كان يجبر الطلبة إلى الانتقال لمدرسة عيمة المجاورة، والتي تبعد نحو 5كم ما كان يشكل معاناة لهم ولأولياء.
ويضيف الربيحات أن موارد الرزق كانت شحيحة، خصوصا بعد تراجع مواسم الخير، جراء تراجع معدلات الأمطار، في الوقت الذي كانت الزراعة وتربية المواشي هي عماد الحياة لدى أغلب سكان القرية، مما دفعهم إلى البحث عن مصادر رزق دائمة من خلال الوظائف الحكومية أو في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
ويرى الدكتور عدنان عواد من سكان قرية عيمة إحدى القرى المهددة بهجرة سكانها منها والتي هاجر منها على مدار 40 عاما أكثر من 30 ألف شخص، ويقطنون حاليا في حي الطفايلة بعمان، أن شح موارد الرزق في تلك القرى دفع بالعديد من سكانها إلى الهجرة للبحث عن الرزق ولقمة العيش التي بات الحصول عليها يتم بمشقة كبيرة.
ولفت المواطن حسين الشباطات إلى أن هجرة قرى الطفيلة كقرية المعطن التي لا يقطنها أي شخص حاليا، يعود إلى رغبة السكان في الحصول على فرص تحسن من اوضاعهم المعيشية، علاوة على ضيق مساحات تلك القرى التي تقع في مناطق محصورة التضاريس، في ظل التزايد السكاني الكبير.
وبين الشباطات أن السكان هاجروا من قرية المعطن الى بلدة عين البيضاء جنبا الى جنب مع سكان هاجروا من قرى اخرى كقرية السلع، لتفرغ بعض تلك القرى من سكانها بشكل نهائي بحثا عن مزيد من الخدمات والاقتراب من الطريق الرئيس الذي يشكل جزءا من الطريق الملوكي.
وأشار إلى إمكانية إعادة السكان من خلال مشاريع تنموية ترتبط بشكل كبير بتطوير السياحة كما في قرية المعطن والسلع، والتي أقيم فيها مركز للزوار، وتم إيجاد مشروع سياحي يمكن أن يخلق فرص عمل لبعض الباحثين عنه مع تنشيط الحركة السياحية في المنطقة.
وأشار المواطن هاني العمريين أحد السكان الذين هاجروا من قرية السلع إلى بلدة عين البيضاء أن عدة عوامل كانت السبب وراء هجرة سكان بعض القرى، كعامل نقص الخدمات، حيث أن طرق القرية كانت ضيقة ووعرة والعديد منها غير معبد، علاوة على عامل مهم وهو عدم وجود مجالات استثمار في تلك القرى سوى الزراعة ورعاية المواشي، والتي تراجعت كثيرا لارتباطها بتساقط الأمطار التي انخفضت كمياتها بشكل لافت خلال العقود الأربعة الأخيرة.
وبين العمريين انه يتولى حاليا إدارة مركز زورا السلع السياحي الذي يشكل مسارا سياحيا يرتبط مع قرية المعطن لوجود قلعة السلع التاريخية، حيث بات يؤم الموقع الزوار وبشكل كثيف في العطل ونهاية الأسبوع، إلا أن ذلك وفي ظل تراجع القطاع السياحي الذي يعول عليه الكثيرون،  بات غير مقنع لعودة السكان المهاجرين مرة أخرى إلى قريتهم.
ويرى السبعيني طالب الخوالدة الذي كان يقطن في قرية ضانا أن هجرة السكان من قرية ضانا حتمته العديد من العوامل حيث النقص في الخدمات، والبعد عن الطريق الرئيس الذي يعتبر محركا اقتصاديا مهما، علاوة على رغبة السكان في إقامة الأبنية الحديثة والتخلص من الأبنية القديمة والتي لم تعد تفي باحتياجات الأسر، إضافة إلى قلة تنوع النشاطات الاقتصادية للسكان ومحدوديتها.
وبين الخوالدة أن مشاريع التطوير السياحي التي شهدتها القرية التي من ضمنها محمية ضانا للمحيط الحيوي ومركز الزوار فيها، ووجود عمليات تطوير وإعادة تأهيل للمنازل القديمة من خلال ترميمها لم تستطع إعادة السكان إلى القرية، حيث شيدوا أبنية حديثة كمساكن لهم، وارتبطوا بوظائف مختلفة قريبة منها سواء في شركة الإسمنت أو في مجال الوظائف الحكومية.
من جانبه، يقول مدير وحدة التنمية في محافظة الطفيلة المهندس محمد البداينة إن العديد من الأسباب كانت وراء الهجرات التي شهدتها بعض القرى في الطفيلة، كقرى ضباعة والسلع والمعطن والنمتة وضانا، والتي باتت أعداد السكان فيها تتراوح بين العشرات إلى لا شيء، وفق آخر الإحصاءات في العام 2015 .
وبين أن عدد السكان في قرية المعطن مثلا يبلغ صفرا، فيما قرية السلع لا يتجاوز عدد سكانها تسعة أشخاص، وضباعة لا يتجاوز العشرين نسمة، فيما لا يزيد عدد سكان قرية النمتة عن أربعين شخصا، وضانا نحو ذلك ومعظمهم من العاملين في فنادق القرية.
وأشار البداينة إلى أن العوامل الاقتصادية بالإضافة إلى عوامل أخرى كنقض الخدمات وتواضعها وبعدها عن الطريق الرئيس، وقلة فرص العمل وتواضعها عوامل وقفت وراء الهجرات وتبررها.
ولفت البداينة إلى أن الخدمات الحديثة كالكهرباء والماء والطرق والصحة وصلت متأخرة إلى تلك القرى والتي سبقتها الهجرات السكانية، بما عزز اندفاع السكان إلى الهجرة منها.
وأشار إلى عامل هام آخر وهو عدم توفير برامج تنموية حكومية في فترات سابقة، تسهم في الإبقاء على السكان في قراهم، حيث لم تشهد تلك المناطق أي مشاريع اقتصادية تنموية تشجع على البقاء في القرى النائية في ظل تواضع الفرص الشتغيلية لهم.
ورجح البداينة أن تسهم بعض المشروعات السياحية في بعض القرى من خلال جمعيات سياحية بإعادة قوة الجذب لهذة القرى وعودة ولو عدد من سكانها إليها، مع ما يمكن أن توفره من فرص عمل لهم مع توفير عامل الخدمات التي يجب أن تتوفر بشكل أفضل.
من جانبه بين نائب رئيس بلدية الطفيلة الكبرى عبدالقادر السعود أن العديد من القرى في الطفيلة شهدت هجرات متتابعة ومستمرة، لدرجة خلو البعض منها من السكان تماما.
ولفت السعود إلى أن أسباب تلك الهجرات يعود إلى العامل الاقتصادي في المجمل، والذي يشكل أساسا لها، حيث أن أغلب المهاجرين إلى عمان والمحافظات الجنوبية تركوا ديارهم وقراهم بحثا عن مصادر سهلة وكافية للرزق، لكون الزراعة وتربية المواشي التي ظلت لعقود هي أساس الحياة التي يعتمدها السكان، تعتبر شاقة.
وقال إن عوامل التغير المناخي وتراجع كميات الأمطار خلال العقود الماضية دفعت بالعديد من سكان تلك القرى إلى الهجرة إلى عمان لإيجاد سبل عيش بديلة.
وأشار السعود إلى أن قرية عيمة على سبيل المثال تستمر هجرة السكان منها وبشكل منتظم، اذ يمكن تسجيل هجرة عائلات في كل شهر، بدليل عدم نجاعة المصادر الاقتصادية كأساس للمعيشة، علاوة على رغبة الكثير من السكان بمستوى معيشة أفضل، حيث يمكن أن يجدوا ذلك في الوظائف المختلفة سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص.
[email protected]