الطلاق: مشكلات وكوارث وحلول

قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، والطلاق يعني هدم الأسرة لبنة المجتمع الأولى وقد اتسع في الأردن في الآونة الأخيرة وصار يطاول معدلاته في الغرب، ربما نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، أي لانتقال المجتمع من مرحلة اقتصاد الكفاف حيث الأسرة المنتجة أقوى حلقة فيه، إلى الاقتصاد النقدي أو اقتصاد الاستهلاك حيث الأسرة المستهلكة -كما يبدو- صارت أضعف حلقاته. اضافة اعلان
دعوت في مقال قديم تعليقاً على اتساع الطلاق إلى تطويل فترة الخطوبة، وإلى عدم إجراء عقد للزواج في أثنائها، لتمكين الخطيبين معرفة أكبر كل منهما الآخر، ولوقايتهما من وصمة أو لعنة مطلق – للأسف - فيما إذا قررا الانفصال. وعندما يعرف المطلق/ة المقدم على الزواج من جديد أن لدى الشريك/ة الجديد/ة أطفال وأنه يوافق على الزواج به أو بها على الرغم من ذلك فإنه يجب أن يثبت ذلك في عقد الزواج كيلا لا يقع انقلاب عليهم فيما بعد.
في هذه الأيام لم يعد لوالدي الخطيبين علاقة أو تأثير مسبق في الاختيار. كان لهما تأثير قوي في الماضي لدرجة اختيار العريس للعروس. أما اليوم فيفاجآن في الاختيار فيوافقان ويباركان، وإن صارا يعانيان كثيراً من الطلاق، وبخاصة إذا كان للمطلقين أطفال صغار.
يقع كثير من الطلاق لخيبة أمل أو لسوء التدبير أو التفكير، أو لعدم التبصر في العواقب، كما في حالة الشباب الذين يقومون بالمشاجرات في الجامعات الحكومية.
ويعاني الأطفال وبخاصة الصغار أشد المعاناة من الطلاق. وتعتمد درجتها وشكلها على السن، والجنس، وعلى القدرة، أو على عدم القدرة على العودة إلى الوضع النفسي السابق للطلاق، وبخاصة إذا تبعه اللجوء إلى المحكمة، وتبارى كل طرف -بتذاكي المحامي- في التنبيش على الطرف الآخر، وتشويه سمعته أمام الأطفال. وهو أمر كارثي قد يجعلهم يكرهون أباهم أو أمهم مع أن الواجب تربيتهم ألا يقولوا: أُفٍ لكل منهما، وأنهم يحتاجون إليهما عندما يكبرون ويتخرجون في مدرسة أو جامعة أو يعزمون على الزواج.
إن عملية الطلاق مؤلمة وجارحة لكل طرف مثل خسارة المطلق/ة للتقدير الذاتي أو لشعوره فجأة بالوحدة أو لشعوره بالمرارة، وأحياناً بالصدمة إذا لم يأت الطلاق بالراحة أو بالسعادة المتوقعة عند الذين بادروا إليه، مع ان الطلاق قد يكون هو الحل في بعض الأحيان عندما يكون العيش أو التعايش المشترك مستحيلاً.
مع أننا ندعي –عربياً وإسلامياً– أننا نتفوق على الغرب في التماسك الأسري والاجتماعي، إلا أن الأمور عندنا تتطور نحو الأسوأ، أو نحو محاكاتهم والتفوق عليهم في موضوع الطلاق، فهناك -أي في الغرب- يمهد كثير من الأزواج العازمين على الطلاق بالاتفاق مسبقاً على مجرياته ونتائجه، وبمشاركة الأطفال الذي يدركون فيهما، فعندئذ يصبح للأطفال بيتان بدلاً من بيت واحد، ويتكيفون بصورة أسرع وأفضل صحة نفسية مع الوضع الجديد.
وبالإبقاء على قناة الاتصال مفتوحة بين المطلقين وبغض النظر عن المشكلات القائمة بينهما، تستمر الرعاية والعناية الحسنة بالأطفال، ومساعدتهم على النمو السليم والأداء الحسن في المدرسة، فمسؤولية الطرفين عن ذلك لا تتوقف أو تسقط بالطلاق، ولا يحملها أو ينفرد فيها طرف واحد لأن للأطفال حقوقاً عليهما لا تسقط بالطلاق.
ولما كان الأمر كذلك فإن الطرف الذي يعرقل العلاقة الحسنة بين الأطفال والطرف الآخر، لا يحب أطفاله من القلب، ولا تهمه صحتهم النفسية والاجتماعية. إنه يستغلهم لصالحه أو للتجسس على الطرف الآخر مع أنه يضيّق عليهم في الواقع وينتقم منهم، ويجعل حياتهم ونموهم وصحتهم وتعليمهم صعباً ومؤلماً.
عندما تفسد العلاقة بين الأطفال والوالدين أحدهما أو كلاهما، فإنهم يصبحون ضحايا أو الضحايا. وعليه ومن أجل الوقاية من ذلك يجب أن تظل قناة الاتصال مفتوحة إذا كان الطرفان صادقين في حبهما لأطفالهما والحرص على مستقبلهما.
في بلادنا الغارقة بعد في تقاليد الثأر والانتقام تعتبر هذه القناة عيباً أو حتى عاراً على المطلقين وأهلهما، لدرجة قيام كل منهما وأحياناً بتحريض أسرتي أبوي المطلقين، بكب الأطفال الصغار على باب الآخر ليلاً، أو بحرمانه من رؤيتهم والقضاء على القرابة إذا كان المطلقان أقارب: قرابة تنقطع وحرب تندلع.
قال صلى الله عليه وسلم: "أغربوا في النكاح" ، القول الذي تأخر العالم أربعة عشر قرناً ليدرك معناه، والمسلمون يخالفونه.