الطمأنينة والعزيمة في شرق آسيا

طائرة مقاتلة تحط في إحدى القواعد الأميركية الآسيوية - (أرشيفية)
طائرة مقاتلة تحط في إحدى القواعد الأميركية الآسيوية - (أرشيفية)

جيمس شتاينبرغ، ومايكل أوهانلون*

واشنطن العاصمة- مع استمرار وجود الاحتكاكات الإقليمية التي تنخرط فيها الصين والعديد من جيرانها في بحري الصين الشرقي والجنوبي، تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية إقليمية أكثر وضوحاً. ويتعين على أميركا في الوقت نفسه أن ترعى مصالحها والالتزامات التي تمليها عليها تحالفاتها وأن تتجنب المواجهات الهدّامة، أو حتى الصراعات.اضافة اعلان
لن يكون تحقيق هذه الغايات بالمهمة السهلة، خاصة وأنه ليس من الواضح أي المطالبات بالسيادة على الجزر المتنازع عليها في المنطقة ينبغي الاعتراف بها. وعلاوة على ذلك، لا تعتزم الولايات المتحدة محاولة فرض أي حلول من طرفها. ومن ناحية أخرى، يتعين على الولايات المتحدة أن تعكف على تحديث قواتها المسلحة في الاستجابة للتحديات الجديدة -وخاصة صعود الصين. فمع إنتاج الصين لأسلحة دقيقة متطورة لخلق ما يسمى "قدرات منع الوصول/رفض الدخول"، بات لزاماً على الولايات المتحدة أن تفكر في كيفية الاستجابة لنقاط الضعف المتنامية التي تعيب قواعدها وقواتها البحرية في المنطقة.
لن تجد الولايات المتحدة حلولاً جاهزة لهذا التحدي. والمطلوب الآن اتباع نهج بالغ الدقة، وهو ما نقدمه في كتابنا الجديد "الطمأنينة الاستراتيجية والعزيمة".
يتلخص نهجنا في تكييف استراتيجية "المشاركة المتحوطة" التي تبنتها أميركا لفترة طويلة، والتي من خلالها استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أدوات اقتصادية ودبلوماسية، وأحياناً عسكرية، لإعطاء الصين الحوافز للنهوض سلمياً، مع الاحتفاظ بقدرات عسكرية صلبة في حال أثبتت المشاركة عدم نجاحها.
لكن مكمن المشكلة هنا هو أن التحوط كان يفسر عادة على أنه يعني الإبقاء على تفوق الولايات المتحدة العسكري الساحق. ولكن تطوير الصين وحيازتها لأسلحة متقدمة، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة محكمة التصويب المضادة للسفن، تجعل من غير المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على حصانة قواتها التي دامت عقوداً من الزمان في المنطقة، بما في ذلك القدرة على العمل بلا خوف من عقاب بالقرب من سواحل الصين. ونظراً لضعف الصين التاريخي في مواجهة التدخلات الخارجية، فإن جهود الولايات المتحدة الأحادية الجانب للحفاظ على التفوق الهجومي الكاسح لن تفضي إلا إلى إشعال شرارة سباق تسلح مزعزع للاستقرار على نحو متزايد.
يدعو بعض الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين إلى انتهاج حلول تكنولوجية في مواجهة هذه المعضلة. ويتمثل نهجهم في مفهوم يسمى "معركة الجو والبحر"، والذي يشير ضمناً إلى استخدام مزيج من الأدوات الدفاعية والهجومية لمعالجة التحديات الجديدة التي يفرضها انتشار الأسلحة القادرة على إصابة أهدافها بدقة.
على المستوى الرسمي، لا توجه وزارة الدفاع مفهوم "معركة الجو والبحر" ضد أي دولة بعينها. وعلى سبيل المثال، يبرر امتلاك إيران للقدرات الهجومية الدقيقة -فضلاً عن علاقة أشد عدائية مع أميركا- تلك المبادرات الجديدة التي تطرحها الولايات المتحدة للتغلب على الثغرات الأمنية المتزايدة. لكن من الواضح أن الصين، التي تمتلك الموارد اللازمة لتطوير استراتيجية منع الوصول/رفض الدخول التي يمكن التعويل عليها، هي أكثر ما يثير قلق المخططين العسكريين في الولايات المتحدة. ويقترح بعض أنصار معركة الجو والبحر توجيه ضربات تكتيكية استباقية إلى قاذفات الصواريخ، والرادارات، ومراكز القيادة، وربما القواعد الجوية وموانئ الغواصات أيضاً. وعلاوة على ذلك، سوف يتم توجيه الكثير من هذه الضربات بالاستعانة بأسلحة بعيدة المدى تقع على أراضي الولايات المتحدة، وليس من البحر أو على أراضي حلفاء استراتيجيين، لأنه هذه الأصول ستكون بهذا أقل عُرضة للهجمات الاستباقية.
لكن من المؤسف أن المنطق الذي ترتكز عليه معركة الجو والبحر يفرض مخاطر جدية تتمثل في سوء الحسابات والتقدير -بدءاً باسمها. فمن الواضح أن معركة الجو والبحر مفهوم للمعركة. ورغم احتياج الولايات المتحدة الواضح إلى خطط حربية، فإنها تحتاج أيضاً إلى توخي الحذر خشية أن تبعث إلى الصين والشركاء الإقليميين برسالة مفادها أن أحدث أفكارها العسكرية تؤسس للردع في المقام الأول انطلاقاً من القدرة على الفوز بالحرب بسرعة وبشكل حاسم من خلال التصعيد على نطاق واسع في وقت مبكر من أي نزاع.
الواقع أن معركة الجو والبحر تذكرنا بفكرة معركة الجو والبر التي تبناها حلف شمال الأطلسي في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين لمواجهة التهديد السوفياتي المتنامي لأوروبا. ولكن الصين ليست الاتحاد السوفياتي، وينبغي للعلاقات الأميركية مع الصين أن تتجنب ترديد أصداء الحرب الباردة.
إن مسمى "عمليات الجو والبحر" قد يكون أكثر ملاءمة لنهج أكثر فعالية. وقد يتضمن مثل هذا المبدأ خططاً حربية سرية؛ ولكنه لا بد أن يركز على نطاق أوسع كثيراً من أنشطة القرن الحادي والعشرين البحرية، والتي لا بد أن يشمل بعضها الصين (مثل دوريات مكافحة القرصنة الجارية في خليج عدن وبعض التدريبات العسكرية في المحيط الهادئ).
علاوة على ذلك، لا بد أن تتجنب الخطط الحربية الاعتماد على التصعيد المبكر، وخاصة ضد أصول استراتيجية على البر الرئيسي للصين وأماكن أخرى. فإذا اندلعت مناوشة حول جزيرة متنازع عليها أو ممر مائي، فيتعين على الولايات المتحدة أن تنتهج استراتيجية تسمح بالتوصل إلى حل إيجابي بعيداً عن إشعار حرب شاملة. والواقع أنه حتى تحقيق "النصر" في مثل هذه المواجهة في السياق الأوسع للعلاقات الصينية الأميركية قد يكون باهظ التكاليف لأنه قد يؤدي إلى إشعال شرارة حشد عسكري صيني مصمم لضمان تحقيق نتيجة مختلفة في أي مناوشة لاحقة.
وبدلاً من ذلك، تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى مجموعة أوسع من الاستجابات الكفيلة بتمكينهم من اتخاذ تدابير فعّالة متناسبة مع المخاطر المفروضة -تدابير تُظهِر القدرة على تكبيد الخصم تكاليف باهظة من دون التسبب في تصعيد هدّام.
وعلى نحو مماثل، تحتاج أجندة التحديث العسكري الأميركية إلى إيجاد نوع من التوازن. فالاستجابة للتهديد الذي تفرضه ترسانة الصين المتنامية من الأسلحة المتقدمة على العديد من أصولها لا تتطلب توسيع قدرات أميركا الضاربة البعيدة المدى بشكل كبير. بل إن هذا من شأنه حتماً أن يخلق لدى المخططين الحربيين الأميركيين الحوافز للتركيز على الخيارات الاستباقية في إعدادهم لخطط الطوارئ وعدم الاهتمام في الوقت نفسه بالتواجد اليومي للقوات الأميركية في المناطق الأمامية القريبة من الصين؛ حيث تسهم بشكل كبير في صيانة فكرة الردع. وقد يخلق هذا أيضاً حافزاً قوياً لدى المخططين الحربيين الصينيين لتطوير المزيد من قدرات منع الوصول/رفض الدخول.
إن مشاركة الولايات المتحدة المتواصلة في المنطقة تلزمها بالالتفات إلى درس بالغ الأهمية من الحرب الباردة: لن يتسنى لأي علاج تكنولوجي أن يوفر الحصانة الكاملة. والواقع أن التدابير الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن التواجد العسكري الأميركي الممتد، قد تكون أكثر فعالية من الاعتماد بشكل كامل على التصعيد الهجومي في حال احتياج الولايات المتحدة إلى مواجهة تصرفات صينية تهدد مصالح أميركية مهمة. بل إن الاعتماد على القدرة على مهاجمة البر الرئيسي للصين للدفاع عن حرية الملاحة في شرق آسيا قد يغري قادة الصين لاختبار استعداد الولايات المتحدة لتعريض لوس أنجلوس على سبيل المثال للخطر من أجل الدفاع عن جزر سينكاكو.
سوف تتطلب الاستراتيجية الأميركية الأكثر توازناً لتعزيز الاستقرار الإقليمي في جنوب شرق آسيا تركيبة حكيمة من العزيمة والطمأنينة، جنباً إلى جنب مع موقف عسكري يعكس هذا المزيج. وسيكون من شأن هذا النهج أن يمنح الولايات المتحدة الفرصة الأفضل لحث قادة الصين وحملهم على تبني نهج أكثر تعاونية في التعامل مع النزاعات الإقليمية الجارية في المنطقة.

*جيمس شتاينبرغ: نائب وزير الخارجية الأميركية السابق (2009-2011)، ويشغل حالياً منصب عميد وأستاذ العلوم الاجتماعية والشؤون الدولية والقانون في كلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز. مايكل أوهانلون: هو كبير زملاء معهد بروكنغز، ومؤلف كتاب "الطمأنينة الاستراتيجية والعزيمة: العلاقات الأميركية الصينية في القرن الحادي والعشرين"، الذي نشرته مؤخراً مطبعة جامعة برينستون.
*خاص بـ "الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2014.