العالم أبعد من أوكرانيا‏: ‏بقاء الغرب ومطالب البقية‏ (2-2)

ديفيد ميليباند‏* – (فورين أفيرز) 18/4/2023 ‏‏‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة يتصور اقتراح تقدمت به فرنسا لإصلاح ممارسة حق النقض، (الفيتو)، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة الحالات التي تستحق تعليق استخدام حق النقض، بناء على تعريف واضح لـ”الفظائع الجماعية”. وسيكون من شأن هذا الإصلاح أن يفتح على الفور عملية صنع القرار في المجلس لتشمل بشكل أكثر إنصافًا آراء الأعضاء العشرة المنتخبين إضافة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين. وفي ردة فعلها على الاقتراح، قالت الولايات المتحدة إنها تشعر بالقلق من التسييس المحتمل لعملية تعريف الفظائع. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين قلقون بشكل مفهوم بشأن عواقب التخلي عن حق النقض (وإن كان ذلك في ظروف محدودة)، فإن استخدام موسكو المتكرر لحق النقض ضد القرارات المتعلقة بأوكرانيا في العام الماضي يجب أن يدفع واشنطن إلى وقفة للتفكير فيما إذا كان لديها المزيد لتكسبه أو تخسره من رفض النظر في فرض قيود على حق النقض.‏ * * ثمة مبادرتان للبنك الدولي تعكسان استعدادًا لمعالجة شواغل البلدان النامية التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين، لكنَّ هناك حاجة إلى توسيع نطاقهما بشكل كبير. يعِدُ برنامج “نافذة للمجتمعات المضيفة واللاجئين” بدعم تدخلات هادفة متوسطة إلى طويلة الأجل تهدف إلى تقديم الدعم للبلدان منخفضة الدخل المضيفة للاجئين. وقد تم تخصيص سبعة وسبعين في المائة من أموال البرنامج للبلدان الأفريقية. لكن البرنامج يحتاج إلى موارد أفضل بحيث يتم توسيعه ليشمل مصارف إنمائية أخرى متعددة الأطراف، مثل “بنك التنمية الأفريقي” و”البنك الإسلامي للتنمية”؛ وجعله أكثر فاعلية من خلال التنسيق مع مصادر المعونة الثنائية. وثمة مبادرة أخرى للبنك الدولي، هي “المرفق العالمي للتمويل الميسر”، وتشمل بنوكًا إنمائية أخرى متعددة الأطراف وتساند البلدان متوسطة الدخل التي تستضيف اللاجئين (على سبيل المثال، خصص البنك الدولي لكولومبيا مبلغ 1.6 مليار دولار لمساعدة جهودها لاستضافة اللاجئين الفنزويليين). لكنَّ المساهمات في الصندوق ارتجالية وآنية، ولا يمكن أن تلبي احتياجات البلدان المضيفة.‏ تشكل ‏‏أزمة المناخ‏‏ الخطر العالمي الأقرب الذي يلوح في الأفق، والذي يمثل أكبر اختبار لصدق تضامن الدول الغربية مع بقية العالم. وفي هذا الإطار، تحتاج البلدان الغنية إلى إنفاق تريليونات الدولارات على إزالة الكربون من اقتصاداتها، ولكنها تحتاج أيضا إلى دعم التنمية منخفضة الكربون في البلدان الفقيرة، وتحمُّل التكاليف الحتمية التي يتطلبها التكيف مع تغير المناخ الذي تنبئ به مسبقًا المستويات الحالية من الانحباس الحراري العالمي.‏ ‏ لذلك، يعد تعيين مدير إداري جديد للبنك الدولي في اجتماعات ربيع العام 2023 أمرًا بالغ الأهمية. وكما كتب وزير الخزانة الأميركي السابق، لاري سامرز، فإن “هناك حاجة ملحة لأن تستعيد الولايات المتحدة وحلفاؤها ثقة العالم النامي. ولا توجد وسيلة أفضل لاستعادة هذه الثقة من توفير الدعم الجماعي واسع النطاق للأولويات العليا للبلدان. ولا توجد طريقة أسرع وأكثر فعالية لحشد الدعم من القيام بذلك من خلال البنك الدولي”.‏ ‏ سوف يكون لزامًا على القيادة الجديدة للبنك الدولي أن تعوض عن الوقت الضائع. وحسب المحلل تشارلز كيني، فقد انخفضت مساهمات البنك كنسبة من الدخل القومي الإجمالي للبلدان المقترضة من 4.0 في المائة في العام 1987 إلى 0.7 في المائة في العام 2020. ويمكن للبنك الدولي، بل ويجب عليه، أن يفعل المزيد. يجب أن يكون نهجه المفرط في المحافظة في التعامل مع المخاطر، والنطاق المحدود للغاية من الشركاء (غير الحكوميين والحكوميين على حد سواء)، وثقافته وطريقة عمله هي محاور الإصلاح، إلى جانب المقترحات بشأن التمويل الجديد في “أجندة بريدجتاون” التي طرحتها رئيسة وزراء بربادوس، ميا موتلي، والتي تدعو إلى تعبئة جديدة كبيرة للأموال من خلال المؤسسات المالية الدولية للبلدان التي تتصارع مع تغير المناخ والفقر. ولا يحتاج المدير الإداري الجديد إلى جمع المزيد من الأموال فحسب، بل ويحتاج أيضًا إلى تطوير أنظمة تسليم تدرك أن الدول الهشة والمبتلاة بالصراعات تحتاج إلى أن تعامل بشكل مختلف عن نظيراتها الأكثر استقرارًا.‏

مقعد على الطاولة‏

إضافة إلى صياغة طريقة أكثر إنصافًا لمعالجة المخاطر العالمية، يتعين على الدول الغربية أن تتبنى مطالب البلدان النامية بأن يكون لها دور أكبر في الساحة الدولية. في واقع الأمر، تشعر العديد من البلدان بالاستياء من الطبيعة غير المتوازنة للقوة العالمية في المؤسسات الدولية كما هو حالها اليوم. وقد ظهر أحد الأمثلة الحديثة أثناء انتشار ‏‏الوباء‏‏. كان “مسرِّع منظمة الصحة العالمية للوصول إلى أدوات كوفيد-19” مبادرة مهمة تهدف إلى تعزيز سبل الوصول العالمي إلى اللقاحات والعلاجات ووسائل التشخيص. لكنَّ ممثلي البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل لم يتم إشراكهم بشكل هادف في حوكمة البرنامج. وقد أعاق هذا النقص في التمثيل الجهود الرامية إلى تحقيق التوزيع العادل للقاحات والتسليم الفعال للخدمات الصحية الأخرى.‏ اضافة اعلان

العالم أبعد من أوكرانيا‏: ‏بقاء الغرب ومطالب البقية (1 – 2)‏

كما تشكل قضية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في قمة النظام الدولي، عدسة مفيدة للتفكير في الكيفية التي تحتاج بها جميع المؤسسات الدولية إلى إعادة موازنة الطريقة التي تعمل بها للاعتراف بالحقائق الحديثة للقوة. في الوقت الحالي، يحق للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن -الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- استخدام حق النقض ضد أي قرار، مما يؤدي في الواقع إلى تهميش الأعضاء العشرة الآخرين، والكثير منهم من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. يبدو من غير المرجح إجراء إصلاح جوهري يكون من شأنه أن يغير عدد الدول التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. لكن الصراعات المستمرة في إثيوبيا وسورية وأوكرانيا واليمن تقدم أمثلة واضحة على كيفية التمتع بالحصانة والإفلات من العقاب عندما يصاب مجلس الأمن بالشلل بسبب استخدام أحد الأطراق حق النقض أو التهديد باستخدامه. ومن علامات الإحباط فيما يتعلق بهذه القضية كانت “مبادرة حق النقض” التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2022، والتي تنص على أنه عندما تستخدم دولة ما حق النقض في مجلس الأمن، فإنه يتم عقد اجتماع للجمعية العامة تلقائيًا لمناقشة المسألة المطروحة. وإضافة إلى ذلك، وقع أكثر من 100 بلد على اقتراح فرنسي-مكسيكي، أؤيده أنا أيضًا، يدعو الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى الموافقة على الامتناع عن استخدام حق النقض في حالات ارتكاب الفظائع الجماعية. ويمارس بعض الأعضاء الدائمين ضبط النفس في مسألة استخدام حق النقض مسبقًا. على سبيل المثال، لم تستخدم المملكة المتحدة حق النقض في أي مسألة منذ العام 1989.‏ ‏ يتصور الاقتراح المذكور أن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة الحالات التي تستحق تعليق استخدام حق النقض، بناء على تعريف واضح لـ”الفظائع الجماعية”. وسيكون من شأن هذا الإصلاح أن يفتح على الفور عملية صنع القرار في المجلس لتشمل بشكل أكثر إنصافًا آراء الأعضاء العشرة المنتخبين، إضافة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين. وفي ردة فعلها على الاقتراح، قالت الولايات المتحدة إنها تشعر بالقلق من التسييس المحتمل لعملية تحديد الفظائع. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين قلقون بشكل مفهوم بشأن عواقب التخلي عن حق النقض (وإن كان ذلك في ظروف محدودة)، إلا أن استخدام موسكو المتكرر لحق النقض ضد القرارات المتعلقة بأوكرانيا في العام الماضي يجب أن يدفع واشنطن إلى وقفة للتفكير فيما إذا كان لديها المزيد لتكسبه أو تخسره من خلال رفض النظر في فرض قيود على حق النقض.‏

نظرة في المرآة‏ ‏

في المعركة من أجل كسب الرأي العام العالمي، يكتسب السرد أهمية خاصة. لم يتردد صدى التأطير الغربي المفضل للحرب في أوكرانيا -كمنافسة بين الديمقراطية والاستبداد- بشكل جيد خارج أوروبا وأميركا الشمالية. وعلى الرغم من أنه من الصحيح أن الأوكرانيين يقاتلون من أجل ديمقراطيتهم وكذلك سيادتهم، إلا أن الغزو يمثل في المقام الأول انتهاكًا أساسيًا للقانون الدولي بالنسبة لبقية العالم. وكذلك تفعل الهجمات ‏‏العسكرية‏‏ الروسية التي استهدفت المدنيين الأوكرانيين والبنية التحتية المدنية للبلد.‏ لكنّ ثمة بديلاً أفضل. يجب على الحكومات الغربية تأطير الصراع على أنه صراع بين سيادة القانون والإفلات من العقاب، أو بين القانون والفوضى بدلاً من طرحه على أنه صراع يضع الديمقراطية في مواجهة الاستبداد. ولمثل هذا النهج العديد من المزايا. فهو يضع الديمقراطية بشكل صحيح ضمن مجموعة من الأساليب لتعزيز المساءلة والحد من إساءة استخدام السلطة، وهو يوسع التحالف المحتمل للدعم. وهو يختبر الصين في أضعف نقطة لديها لأن الصين تدعي أنها تدعم نظامًا دوليًا قائمًا على القواعد. كما أنه يبدو أقل تمييزًا للذات، وهو أمر مهم بالنظر إلى المشاكل الواضحة التي تعاني منها العديد من الديمقراطيات الليبرالية. ومن المرجح أن يكون التحالف المبني على الحاجة إلى القواعد الدولية أوسع بكثير من التحالف القائم على الدعوات إلى الديمقراطية.‏ ‏ ولكن، للدفاع عن سيادة القانون، يتعين على الدول الغربية أن تلتزم به هي الأخرى وأن تنضم إليه. سوف تكون إدانة الولايات المتحدة للانتهاكات الصينية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار -عندما يتعلق الآمر بالمنشآت العسكرية الصينية على جزر في بحر الصين الجنوبي، على سبيل المثال- أكثر إقناعًا إذا صادقت الولايات المتحدة على الاتفاقية الخاصة بقانون البحار في المقام الأول. وعلى الرغم من أن نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، وجهت دعوة قوية في المؤتمر الأخير للأمن في ميونخ لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا، إلا أن دعوتها كانت لتكتسب المزيد من الفعالية لو أن الولايات المتحدة صادقت أولاً على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في العام 1998. ويستشهد منتقدو وخصوم القوى الغربية بلا هوادة بهذه المعايير المزدوجة. وليس من الصعب معرفة السبب.‏ *ديفيد ميليباند David miliband:‏ (15 تموز/ يوليو 1965)، سياسي بريطاني، والابن الأكبر لعالم الاجتماع رالف ميليباند. ولد في لندن ودرس في جامعة أكسفورد، ثم التحق بمعهد ماساتشوستس للتقنية (MIT)؛ أحد أشهر المعاهد العلمية في الولايات المتحدة، بعد حصوله على منحة دراسية في العام 1988. وعرف عنه ولعه الشديد بتكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت، وكان أول وزير بريطاني يكتب مدونات على الإنترنت عندما كان وزيرًا للبيئة. بدأ العمل السياسي بالالتحاق بوحدة السياسات التي كانت تعمل مباشرة مع توني بلير في العام 1994، ثم أصبح عضوًا في البرلمان في العام 2001. وفي 5 أيار (مايو) 2005، تولى أول منصب وزاري له في حكومة توني بلير كوزير للدولة لشؤون الجاليات والحكومة المحلية، وفي 5 أيار (مايو) 2006 عين وزيرًا للبيئة. وفي 28 حزيران (يونيو) 2007، عين وزيرًا للخارجية وشؤون الكومنولث في المملكة المتحدة، وكان حينها يبلغ من العمر 41 عامًا ليكون أصغر من تولى هذا المنصب في المملكة المتحدة منذ ثلاثين عاماً، واستمر في المنصب لغايه استقالة الحكومة في 11 أيار (مايو) 2010. وهو الآن الرئيس والمدير التنفيذي لـ”لجنة الإنقاذ الدولية”. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The World Beyond Ukraine: The Survival of the West and the Demands of the Rest اقرأ أيضا في ترجمات: