العالم العربي: هلال يكتمل وغرب يأفل

الإسلام السياسي يزدهر في زمن الربيع العربي - (أرشيفية)
الإسلام السياسي يزدهر في زمن الربيع العربي - (أرشيفية)

تقرير خاص (الإيكونوميست) 29/10/2011

ترجمة: عبدالرحمن الحسيني

في أعقاب صيف بطيء، تحول الربيع العربي إلى خريف عاصف. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية النهاية المروعة لمعمر القذافي، والمشهد الأكثر تهذيباً وتنويراً للانتخابات المفتوحة المنظمة في تونس، ووفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسط مطالبات بتحديث المملكة بوتيرة أسرع. وفي الأثناء، تستعد مصر، التي تعد البلد العربي الأكثر سكاناً، لإجراء أول انتخابات لائقة في الشهر المقبل. وما تزال الثورات والنزاعات الأهلية مستمرة في عموم المنطقة، بدءا من سورية، مروراً باليمن، ووصولاً إلى البحرين.
وبالنسبة للغرب، الذي أمدته روابطه مع الدكتاتوريين العرب في السابق بنفوذ هائل في الشرق الأوسط، أفلتت التطورات في المنطقة من عقال السيطرة. وقد طفت هذه الحقيقة بوضوح على السطح مؤخراً، بإصرار العراقيين على وجوب مغادرة كافة القوات الأميركية البلاد مع حلول نهاية هذا العام. ومع ذلك، يجب على الغرب أن لا يأسف لهذه الانعطافة في التطورات. وينبغي استبدال النفوذ الذي فقده على المدى القصير بنفوذ يولد على المدى البعيد من خلال إقامة العلاقات الجيدة مع الحكومات المناسبة.
ما تزال الأمور على المسار
في الميزان، أصبح العالم العربي، راهناً، في وضع أفضل بكثير مما كان عليه قبل عام مضى. ومن المؤكد أن اقتصادات كافة البلدان التي تأثرت بالاضطرابات الديمقراطية قد تباطأت، وذلك صحيح حتى في تونس التي تتمتع بأفضل مستويات التعليم والمهارات في المنطقة. لكن الدكتاتورية وسيطرة الدولة خنقت الاقتصادات العربية –حتى تلك التي تتمتع بوفرة من النفط. وما إن تفتح الحدود الخاصة بالبلدان العربية وتصبح حكوماتها مسؤولة عن مواطنيها، فإن من المرجح أن تنمو بوتيرة أسرع. ولن يتأتى ذلك ما لم تضع هذه البلدان قيد التنفيذ نظام حكم يتيح درجة أوسع من المشاركة مقارنة مع ما سبق.
ولعل ذلك بصدد الحدوث. فقد مهدت تونس الطريق، وتعِدُ مصر بأن تحذو حذوها، مع أن الجنرالات العسكريين المسؤولين عن فترتها الانتقالية أبدوا في الأونة الأخيرة انعداماً رهيباً في القدرة، مما أثار مخاوف من احتمال انزلاق البلد وراءً إلى حالة من غياب النظام والسيطرة العسكرية. لكن من المقرر أن يتم انتخاب برلمان في الشهر المقبل. وستختار مصر جمعية وطنية قد تستغرق عاماً أو نحو ذلك لصياغة دستور ينص على اختيار رئيس مصري جديد. ويجب على ليبيا أيضا أن تعقد انتخابات في غضون عام. وفي الأثناء، نشهد المخاطر تعم في كل مكان، وقد تتحول إلى موجات من الفوضى والنزاع. لكن هذا الثلاثي من الدول الشمال إفريقية يبدو أنه يتجه إلى الإلحاح على البلدان العربية الأخرى، مثل سورية التي تبدو متجهة إلى وقت تغمرها فيه الدماء بينما يناضل مواطنوها من أجل التحرر.
وليس من الضروري أن يدق صعود الإسلام السياسي أجراس الخطر في أوساط الديموقراطيين في الغرب وفي العالم العربي. ففي تونس، هناك حزب إسلامي، حزب النهضة، الذي كان قد تعرض للحظر بوحشية لعقود، والذي حقق فوزاً مدهشاً في صناديق الاقتراع. ومن المرجح أن يؤدي الإخوان المسلمون في مصر أداء مماثلا أيضاً. وفي ليبيا، يمكن أن يكسب الإسلاميون أرضية. وهذا يقض مضاجع الليبراليين العرب ذوي الفكر العلماني والكثير من الغربيين الذين ينطوون على أمنيات طيبة. لكن فرعاً أكثر انفتاحاً وتسامحاً من الإسلام السياسي، والذي يناسب العالم الحديث بشكل أفضل، يبدو أنه قيد الظهور، خاصة وأن الداعين له يجب أن يتنافسوا على الاستئثار بصوات الناخبين الذين يعجبون عجاباً بالعداء الذي يكنه الإسلاميون للفساد، والذين لا يحبون المواقف الطائفية والمحافظة التي أعرب عنها العديد منهم عندما كانوا يعملون في الخفاء.
لا يستطيع أحد أن يكون متأكداً مما إذا كان حصول الإسلاميين على السلطة سيفضي إلى تخليهم عنها في صندوق الاقتراع، لكن الحكام العلمانيين يفشلون أحياناً عند ذلك الاختبار.
وبشكل إجمالي، فإن تهديد النزعة التطرفية الدينية والتي سوغ من خلالها الرجال الأقوياء القمع، لم يتجسد؛ وبسبب انحسارها في عدد قليل من الجيوب غير المحكومة في اليمن وعلى أطراف الصحراء، فشلت القاعدة في الاستفادة من الرياح الديموقراطية هناك.
المشهد محليّ هذه الأيام
تنبع قوة هذه الثورات من حقيقة كونها نمت كليّة في أرض الوطن. ولم يتلق أولئك في مصر وتونس أي مساعدة خارجية. وربما يكون المحتجون الشجعان في سورية الآن في طريقهم إلى النصر في الوقت المناسب. ولم يكن بإمكان حكام ليبيا الجدد أن ينجحوا من دون تدخل قاذفات التي الناتو، لكن غياب قوات برية غربية ومخبرين يبلغون المواطنين المحليين بما يترتب عليهم فعله يشكل اختلافاً كبيراً عن ما حصل في العراق قبل ثمانية أعوام، حيث جرى فرض الديموقراطية بوحشية على شعب لم يكن مستعداً لتقبلها.
وفي أعقاب موت نحو 15 ألفاً أو يزيد من العراقيين، وحوالي 5 آلاف جندي أميركي وغيرهم من الأجانب، حصل العراق على حكومة منتخبة بحرّية، لكنها لم تطور عادات مثل التسامح بين الطوائف، والمؤسسات المستقلة التي تضمنها كل الديموقراطيات الناجحة بحق. وكان عقد من القوة الأميركية الصلبة أقل تأثيراً من عدد قليل من شهور الاحتجاج السلمي في وضع بلدان على الطريق نحو حكم ديمقراطي.
وفي جزء منه، وبسبب المغامرة العراقية، تظل أميركا –سياستها الخارجية على الأقل– مكروهة من القلب لدى العرب في عموم المنطقة. ولم تصبح تلك المشاعر أخف كثيراً في ظل باراك أوباما قياسا مما كانت عليه في ظل جورج بوش. وتنبع عدم شعبية أميركا في جزء منها من دعمها لإسرائيل والإذلال المستمر للفلسطينيين، وفي جزء من رغبتها في استخدام القوة لشق طريقها، وفي جزء آخر من تاريخها في دعم الدكتاتوريين العرب. وسوف تجد أميركا صعوبة في التوفيق بين صداقاتها مع الأنظمة القديمة وبين تلك الصداقات مع ديموقراطيات العالم العربي الوليدة.
مع تراجع السطوة الغربية، تكمن بذور الأمل في بزوغ علاقات أكثر صحة في المستقبل. وعلى الرغم من أن الثوريين في العالم العربي بشكل عام، والإسلاميين بشكل خاص، لن يمتدحوا الغرب كنموذج على الأرجح، فإنهم يبدون وأنهم يتحركون باتجاه أنظمة سياسية واقتصادية أكثر انفتاحا. ولا يبدو أن أحداً في مصر أو تونس أو ليبيا يحاجج من أجل نموذج عربي تقليدي أو إيراني أو حتى صيني. وما يزال الطلبة العرب ورجال الأعمال والسياح بالآلاف يختارون الذهاب إلى الغرب لإكمال دراساتهم وعقد صفقاتهم واستجمامهم.
بشكل عام، تبقى فرص استمرار النفوذ الغربي في العالم العربي جيدة. لكنه سيأتي في المستقبل من خلال التعليم والاستثمار، وعندما يطلب من الغرب إسداء النصح في بناء المؤسسات. ولا تعمل هذه الرافعات بنفس وتيرة السرعة التي جاءت من الصفقات المعقودة مع دكتاتوريين غير شعبيين وغير مستقرين، لكن من المرجح لها في النهاية أن تثبت كونها أكثر مصداقية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The decline of Western power in the Arab world is no bad thing

اضافة اعلان

 

 [email protected]