العالم القادم: أي عالم؟

أظن أن العالم بعد سنوات قليلة، سيكون خاليا من الصحف التقليدية والفضائيات التقليدية، وستتحول وسائل الإعلام إلى مؤسسات شخصية أو مجتمعية أو متخصصة. سوف نكون جميعا أمماً من المدونين؛ سيختفي الكُتّاب المحترفون والصحفيون المحترفون، وسوف تتذكرهم الأجيال المقبلة كما نتذكر كتبة الرسائل وقراءها في مجتمعات كان يغلب عليها عدم القدرة على القراءة والكتابة؛ سوف يكون لكل مواطن صحيفته واذاعته. وهناك مؤسسات ومهن أخرى كثيرة ستختفي أيضا.اضافة اعلان
الأطباء تتغير جذريا أعمالهم وطبيعتها. وأظن أنه لم يعد ثمة حاجة إلى كثير مما يعملونه اليوم؛ سوف تقوم بأعمالهم كلها أجهزة الكمبيوتر. وفي الثقافة الطبية المتسعة والمتاحة، وقدرة جميع الناس على أداء كثير من الأعمال مستعينين بأجهزة الكمبيوتر المتاحة والمنتشرة والتي كان يقوم بها الأطباء أو الممرضون، فإن العلاقة بين الطبيب والمريض تتغير، ووظيفة كل منهما تتغير، لأن الإنسان يتحول بنسبة كبيرة إلى علاج نفسه بنفسه، وقد يبلغ في ذلك منتهى الحالة التي لا يعود ثمة حاجة للأطباء.
يمكن اليوم الملاحظة، بنسبة أكبر من قبل (وربما كان ذلك قائما ولم نلاحظه)، أن عددا كبيرا من الأطباء لم يعد قادرا على مواصلة عمله. كثير منهم لا يقدم في عيادته سوى نصائح لا قيمة لها. تذهب إلى طبيب عظام مثلا (وهذه قصة واقعية حدثت)، فيحدثك عن قيام الليل، ويؤكد على ضرورة أن يتم ذلك بالسر بينك وبين الله. ثم تدفع 25 دينارا أجرة كشفية واستشارة طبية! وتراجع طبيب أعصاب، فيصف لك ما تعرفه جدتك؛ البندول. وتراجع طبيب أورام وسرطان، فيحدثك عن المسيح الدجال. وثمة أطباء يحولون عياداتهم إلى مراكز للعلاج بالقرآن، ووصفات طبية مليئة بالفيتامينات، كما بالخزعبلات!
المعلمون والأساتذة أيضا سوف يختفون في حالتهم السابقة والقائمة اليوم. فلم يعد ثمة حاجة لهم إلا إذا تغير دورهم، وواكبوا التحولات والتحديات الجديدة؛ فالإنترنت يمكن أن تغني الناس عن الأساتذة والمدارس والجامعات.
وكثير من الأعمال والوظائف يمكن اليوم تأديتها عن بعد، من خلال الإنترنت؛ فلم تعد ثمة حاجة للمكاتب. كما أن كثيرا من الخدمات الحكومية يمكن إنجازها من خلال الشبكة، ولم يعد ثمة حاجة لأكثر من 90 % من موظفي الحكومة. وأعمال السكرتارية والخدمات المكتبية لم تعد بحاجة لموظفين بشريين.
الحكومة نفسها يتغير دورها، وكثير مما كانت تؤديه صارت تؤديه غرف إلكترونية ليس فيها إلا قليل من البشر. والأمن يتغير أسلوبه وعمله؛ فالكاميرات والأقمار الصناعية يمكن أن تؤدي بكفاءة عالية وتكاليف قليلة معظم أعمال الأمن.
والقطاع الخاص يلتقط هذه التحولات بكفاءة أكثر من القطاع العام. فالبنوك وشركات الاتصالات على سبيل المثال، تستحوذ على أكبر نسبة من الموارد والأسواق، لكنها تقدم أقل نسبة في التشغيل! وتواصل استغناءها عن الوظائف مستعينة بالكمبيوترات.
تبعا لذلك، سوف تتغير الأسر والعلاقات الأسرية ومؤسسات الأسرة... هناك أدوار جديدة للأسرة، وأخرى قائمة سوف تختفي. ولدي اقتراحات وتوقعات كثيرة في الأسرة أفضّل تأجيل الحديث عنها. وأظن أننا نقترب من الحلم الإنساني الأزلي... الخلود والقدرة والمعرفة!