العالم ما يزال بحاجة إلى "الناتو"

nato
nato

أورسولا فون دير ليين – (نيويورك تايمز) 18/1/2019 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

سوف يوفر حلف شمال أطلسي أقوى ضمانة للمصالح الأمنية لكافة أعضائه. والأهم من كل شيء، سوف يرسل رسالة واضحة إلى أولئك الذين يعارضون النظام الدولي القائم على القواعد: أننا نحن، حلفاء عبر-الأطلسي، مستعدون وراغبون في الدفاع عن ترابنا، وشعوبنا، وحريتنا.

  • * *
    برلين – في شهر نيسان (أبريل)، سوف تحتفل منظمة حلف شمال الأطلسي، "الناتو" بعيد ميلادها السبعين. وما تزال المنظمة التي تأسست في السنوات الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة مهمة بنفس المقدار اليوم، بينما يشعر الكثيرون بأن النظام العالمي قد اهتز مرة أخرى. وفي الحقيقة، لو أن حلف الناتو لم يوجد، لما تمكن أولئك الذين يفضلون عالماً حراً من ابتكاره.
    في حين أن الهدف الرئيسي لحلف شمال الأطلسي هو ضمان أمن الدول الأعضاء فيه، فإنه لم يكن في أي وقت مجرد حلف عسكري صرف. إنه تحالف سياسي أيضاً، قائم على التطلعات المشتركة لأعضائه "المصممين على حماية الحرية، والتراث المشترك وحضارة شعوبه، والمتأسس على مبادئ الديمقراطية، والحرية الفردية وحكم القانون"، كما تنص معاهدة الحلف.
    اليوم، أصبحت هذه المبادئ تحت الهجوم. ومن العدوان الروسي في شرق أوروبا، والعدوانية الصينية في بحر الصين الجنوبي، وإرهاب "داعش" الذي يمتد من الشرق الأوسط إلى عواصم أوروبا، والأنظمة الاستبدادية التي تقوم بتطوير أسلحة نووية –وبقدر ما تبدو هذه التحديات مختلفة، فإن ثمة خيطاً واحداً ينتظمها: أنها تصدر عن فاعلين يعارضون النظام الدولي. وهم يحاولون تقويض –بل وحتى تغيير- القواعد التي حكمت عصر الديمقراطية والازدهار منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
    تحتاج الديمقراطيات التي تشكل حلف شمال الأطلسي إلى الوقوف معاً للتغلب على هذه التحديات. وبشكل جماعي، سنكون أقوى حتى من الأكثر قوة بيننا عندما يكون وحده. ووفقاً لذلك، ومنذ العام 2014، عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا، تكيف حلف الناتو مع الوضع القائم –كما كان قد فعل مرات عديدة في تاريخه. ومن بين 29 دولة سيادية ذات ثقافات سياسية مختلفة ووجهات نظر متنوعة، فإن مثل هذا التكيف يكون دائماً معقداً، بل وحتى فوضوياً في بعض الأحيان. لكن قدرة حلف الناتو على تغيير أولوياته واستراتيجياته يضمن أن يصمد التحالف أمام اختبارات الزمن.
    والنتائج ماثلة للعيان. أولاً، قام كافة الأعضاء الأوروبيون لحلف الناتو بزيادة إنفاقهم العسكري. وعلى سبيل المثال، ارتفعت ميزانية الدفاع الألمانية اليوم بنسبة 36 في المائة مقارنة بما كانت عليه عندما توليت المنصب في أواخر العام 2013. وما يزال لدينا المزيد لنفعله حتى نتقاسم العبء بعدالة داخل التحالف، ونحن مستعدون لعمل المزيد. لكننا نبقي في أذهاننا أيضاً حقيقة أن تقاسم العبء لا يتعلق بالنقود فحسب، وإنما يتعلق أيضاً بالقدرات والإسهامات. ولذلك، تفخر ألمانيا، باعتبارها ثاني أكبر المساهمين بالجنود في الحلف، بأنها تتولى قيادة قوة المهمات المشتركة عالية الاستعداد لحلف الناتو.
    كما زاد حلف الناتو تواجده أيضاً في أوروبا الشرقية، وهو يلعب دوراً نشطاً في تدريب قوات الأمن العراقية، وساهم في جهود المراقبة والقتال ضد "داعش"، وهو يواصل دعم الحكومة الأفغانية، ويقوم بتطوير شراكات مع الدول ذات العقليات المماثلة، مثل أستراليا واليابان، وأكثر من ذلك بكثير.
    بأداء مهامه الأساسية الثلاث –الدفاع الجماعي؛ وإدارة الأزمات؛ والشراكات- يشكل حلف شمال الأطلسي لبنة بناء لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها في عمارة نظام دولي يدافع عن الحرية والسلام.
    ولعل الأهم من ذلك كله، هو أن حلف شمال الأطلسي ليس منظمة عبر-أطلسية بالاسم فحسب. إنه يمثل رابطة خاصة، بل وحتى عاطفية، بين القارتين الأميركية والأوروبية. وبالنسبة لألماني، فإن صور سقوط جدار برلين ترتبط بطريقة يتعذر فصمها بالحلف، ويشعر بلدي بالامتنان بشكل خاص للأمن والفرص التي ما يزال حلف الناتو يقدمها منذ عقود. ولذلك، نعم، بالإضافة إلى الفوائد العملية للقواعد العسكرية، وهياكل الجنود، يتمتع الناتو بقيمة عالية في ذاته ولذاته.
    ربما تكون الفائدة الأكثر أساسية لحلف شمال الأطلسي هي أنه يقدم الموثوقية والاعتمادية في عالم لا يُعتمد عليه. ويضمن التزامنا الذي لا يتزعزع بالمادة الخامسة، الخاصة بمعاهدة الدفاع الجماعي، أن يكون أمننا الجماعي غير قابل للقسمة حقاً. سوف نساعد حليفنا الأضعف تماماً كما ساعدنا الأقوى بيننا عن طريق استحضار المادة الخامسة –للمرة الأولى والوحيدة في تاريخ الناتو- بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001.
    ولذلك، من الجيد أن الاتحاد الأوروبي يتخذ الآن خطوات مهمة لتحسين براعته العسكرية. وإذا ما نجح أعضاء الاتحاد الأوروبي في خلق التناغم في تخطيطهم الدفاعي ومشترياتهم العسكرية، وفي التشبيك بين قواتهم المسلحة، فإن هذا سيضيف إلى قوة الحلف.
    سوف يوفر حلف شمال أطلسي أقوى ضمانة للمصالح الأمنية لكافة أعضائه. والأهم من كل شيء، سوف يرسل رسالة واضحة إلى أولئك الذين يعارضون النظام الدولي القائم على القواعد: أننا نحن، حلفاء عبر-الأطلسي، مستعدون وراغبون في الدفاع عن ترابنا، وشعوبنا، وحريتنا.

*وزيرة الدفاع الفيدرالية في ألمانيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The World Still Needs NATO