العام الدراسي وأرق الأسر الأردنية

العام الدراسي المقبل ما يزال غامضا و"متضاربا" في تصريحات الوزراء المؤثرين في أزمة كورونا الحالية. دعونا نخفف مفردة تضارب، لنحولها إلى "ضبابية"، تجد الأسر صعوبة في التعامل معها. فهي وقبل كل شيء تريد تعليما لأبنائها، لكن فتح المجال أمام احتمالات التعليم عن قرب، وعن بعد، والتعليم المدمج، سيشوش جميع مخططاتها سواء المتعلقة بمستقبل أبنائها التعليمي، أو تلك المتعلقة بالاعتبارات المالية التي تسير وفقها.اضافة اعلان
نحن نتحدث اليوم عن أزمة مالية طاحنة، سحقت كثيرا من الأسر، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة، والأهم أن من كان حظه أفضل من غيره فاستطاع البقاء في وظيفته انخفض دخله إلى نسب وصلت النصف وربما أكثر. لذلك باتت مراعاة الشأن المالي شاملة أيضا تعليم الأبناء حتى لو كان ذلك استثمارا في المستقبل، فالاستثمار يكون عادة بالفوائض أو بالوفر الناجم عن الاستغناء عن أمور ليست ذات أولوية، ولكن بالتأكيد ليس على حساب أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها.
بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص، ليس ثمة فرق كبير حين تقترن المفاضلة بينهما باعتبارات توفير أساسيات العيش، فمنذ بدء جائحة كورونا وتعرُّفنا للمرة الأولى على طبيعة التعليم عن بعد، استمعت إلى آباء وأمهات يعرضون واقع الحال من دون أي تزييف، ويقولون بملء الفم أن التعليم عن بعد تستوي فيه المدرسة الحكومية والمدرسة الخاصة، إلا ببعض التفاصيل الطفيفة التي ليس لها تأثير جوهري على التحصيل المعرفي الحقيقي للطالب.
عند هذا الفهم لأولياء أمور الطلبة ينبغي أن نتوقف كثيرا، وأن نحاكم المرحلة السابقة التي اشتملت على عثرات وتحديات أكثر بكثير مما تم تسجيله من إيجابيات.
لكن وللأسف الشديد، فالمؤسسة التي كان ينبغي لها أن تفعل ذلك دفنت رأسها بالرمال وتغنت بإنجازات لم ير أي أحد جزءا منها، فإدامة العملية التعليمية بالشكل الذي ظهرت عليه خلال الفصل الدراسي السابق لا يمكن أن يعد إنجازا لأي طرف، حتى لو استمرت وزارة التربية والتعليم بتسميته إنجازا وبمحاولة إقناعنا به بأي شكل من الأشكال.
في الفصل الدراسي الماضي وجد أولياء الأمور أنفسهم مضطرين للقيام بكل ما يفترض أن تقوم به المدرسة تجاه أبنائهم، بما في ذلك شرح الدروس وتصليح الواجبات ومراقبة أبنائهم أثناء تأدية الامتحانات، وبالتأكيد تعويضهم عن فقدان الأنشطة المختلفة.
دعت هذه التجربة أولياء أمور طلبة المدارس الخاصة إلى إعادة النظر في اعتماد التعليم الخاص لأبنائهم، فالهدف الأساسي من اختيارهم رغم النفقات الباهظة هو تجنيب أبنائهم مساوئ البيئة المدرسية المتردية في كثير من المدارس الحكومية وهذا الهدف لم يعد متحققا بالتحول للتعليم عن بعد، ناهيك عن تلاشي الفرق في جودة التعليم بين مدارس القطاعين حين صار التعليم إلكترونيا.
لولا الغموض في التصريحات الرسمية حول ما تنوي وزارة التربية والتعليم أن تنتهجه من بدائل لطبيعة التعليم في العام الجديد، لوجدنا أعدادا ضخمة من الأسر تتخذ قرارا قاطعا بتحويل أبنائها إلى المدارس الحكومية، لكن هذا الغموض المتسبب في تردد كثير من الأهالي باتخاذ هذا القرار، لن يمنع آلاف الأسر من اتخاذه تحت ضغط الظروف الاقتصادية الخانقة والآخذة بالتدهور والتي ترافقها تحفظات كثيرة لدى الأهالي حول جدوى البقاء في المدارس الخاصة في ظل وجود احتمال كبير باعتماد التعليم عن بعد.
في العام الماضي، سجلت وزارة التربية والتعليم هجرة نحو 50 ألف طالب من القطاع الخاص إلى العام، ولم يكن لهذه الهجرة من دوافع سوى تراجع الأوضاع الاقتصادية للأسر، فهل لنا أن نتخيل الزيادة الممكنة في أعداد المنتقلين إلى المدارس الحكومية في العام المقبل وسط كل المؤثرات التي تتضمنها المرحلة؟
ندرك جيدا أن غالبية المدارس الحكومية تعمل بأكثر من طاقتها الاستيعابية بأضعاف، وخصوصا مدارس العاصمة والمدن المركزية، ونعلم أن هجرة أعداد إضافية إليها سيتسبب بأزمة ضخمة للوزارة، لكن الهروب من هذه الأزمة بواسطة إبقاء الأمر غامضا لا يمكن فهمه، سوى أنه تعمد للتشويش، وحماية لقطاع التعليم الخاص، وتجنب للورطة التي قد تجد الوزارة نفسها فيها بتحول آلاف الطلبة للتعليم الحكومي وهي تعلم جيدا أنها غير قادرة على التعامل معهم.