العبدلي ليس لنا!

في تفاصيل الحوكمة والإدارة الذكية، تقتضي المصلحة الوطنية أن يدرس المسؤول كل الأبعاد والتداعيات القابعة خلف القرار الذي يعتزم اتخاذه، لاسيما إن كان هذا القرار متصلا بمصالح قطاعات شعبية، من الشباب خصوصا الذين هربوا من ضيق البطالة، ليبحثوا في وسط مدينتهم عن فرصة عمل، قد تتعارض مع المعايير التنظيمية للدولة وأجهزتها.اضافة اعلان
لا يبدو أن المسؤول في بلادي يستنفد كل الخيارات المتاحة على طاولته، كما لا يبدو أن الهاجس الأمني يجول في خاطره وهو يتخذ قرارات سيتحملها في نهاية المطاف ضباط وجنود الأمن العام والدرك، كما سكان الأحياء التي تتعرض لهزات أمنية طارئة؛ وكأن مهمة المسؤولين تنحصر في تحميل الجهاز الأمني المزيد من الأعباء، بعد جهود خجولة لمسؤولي القطاع العام في مواجهة أزمة اتخاذ القرار وما بعده.
كما في معان والسلط وغيرهما من مدن وقرى الأطراف، برز في المركز مشهد تداعيات قرار اقتصادي يمس قوت الفقراء وشبابهم. والتساؤل هنا: هل استنفدت أمانة عمان كل الخيارات كي لا يتحول قرار إزالة السوق الشعبية في العبدلي إلى مشكلة أمنية، يصاب فيها رجلا أمن، ويسود التوتر وسط البلد، ويستنشق أطفال وعجائز في حي الطفايلة وجبل التاج الغاز المدمع؟
يقول محتجون على القرار إنهم اتفقوا مع أمانة عمان، قبل أشهر، على أن يتم تأجيل قرار إزالة سوق العبدلي الشعبية إلى ما بعد فصل الشتاء الحالي. لكن "الأمانة"، بحسب قولهم، نقضت الاتفاق. كما أن انتقال السوق إلى مكان بنصف المساحة المتاحة في العبدلي يعني تراجعا في أرزاق آلاف العائلات الباحثة عن فرصة للعيش. والأهم من كل أشكال التلاوم التي تكاثرت خلال هذه الأزمة وبعدها، هو ما الذي يمكن فعله لإنقاذ الفقراء من فقرهم، وليس العكس؛ بمعنى أن لا تكون سياسات الحكومة والقطاعين العام والخاص سببا في إفقار مزيد من الأردنيين!
ربما لا يعلم كثير من المسؤولين أن البطالة تتفشى في أوساط الشباب الأردنيين، بمن فيهم حاصلون على شهادات جامعية، وبحيث وصلت إلى نسب مرتفعة، تقدرها منظمة العمل الدولية بما يتجاوز 30 %. وهو ما يعني أن تعامل الدولة مع الشأن الاقتصادي يجب أن يأخذ هذه النسبة المقلقة في الحسبان، لخفضها لا رفعها.
عندما تنظر إلى المسألة من خارج رقعة الشطرنج، يمكنك فهم التفاصيل أكثر. والوقوف أمام أعلى نافذة في أحد المباني المطلة على العبدلي يجيب عن أسئلة كثيرة. فثمة أبراج تطاول السماء، تقابلها أسواق شعبية بخيامها التي مزقت ذات قرار، وتمزقت معها أحلام عائلات تبحث عن أبسط شروط العيش الكريم. والعبدلي الذي كان ملاذا لكل الاردنيين؛ بوظائفهم العامة والخاصة وأسواقه الشعبية، لم يعد كذلك. ويروي البنيان الشاهق فيه، والذي لم يكتمل بعد، قصة التحولات الاقتصادية بتداعياتها السلبية!
تكرار فشل النخبة في السياسة والإدارة الاقتصادية، ينعكس على شكل تصدعات أمنية مستمرة. والمؤلم في الأمر أن الحكومات تنظر للجغرافيا والإنسان نظرة مجردة من أي بدائل أو فرص أو حتى احساس بمعاناة الآخرين. فثمة من قرر أن العبدلي يجب أن يكون تحفة معمارية واستثمارية لفئات بعينها، ولا بأس بإلحاق الألم والاحتقان بمن لا يستطيع التكيف مع هذا القرار الجائر!