العبقرية الاستراتيجية للمرشد الإيراني الأعلى

راي تقية — (الواشنطن بوست) 1/3/2015

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

على الواجهة، ليس ثمة الكثير مما يستوجب الثناء على المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي. إنه معادٍ للسامية، وقد شكك غالباً وبشكل متكرر في المحرقة اليهودية (الهولكوست) وشهّر بإسرائيل بعبارات قوية. وهو منظر في المؤامرة، والذي يحيك بلا توقف قصصاً غريبة عن الولايات المتحدة ونواياها. وكزعيم قومي، قمع المجتمع المدني الذي كان ذات مرة مؤثراً بلا هوادة، في وقت أفقر فيه اقتصاد بلده. ومع ذلك، يبقى خامنئي عبقرياً استراتيجياً من الطراز الأول، والذي يفاوض بصبر وأناة ليشق طريقا بدأت نحو حيازة القنبلة النووية.اضافة اعلان
بعد أعوام من اللامبالاة، يبدو أن خامنئي أصبح يقدر أن مساره الأكثر فائدة لحيازة الأسلحة النووية يكمن في جهود التوصل إلى اتفاق. وللاستمرار في بناء بنيته التحتية الذرية من دون المظلة الحامية لاتفاقية، سيعرض إيران لعقوبات اقتصادية، ولاحتمال التعرض لضربة عسكرية انتقامية ضدها. وبينما يكون خامنئي قد بدا راغباً في تخطي "خطوط حمراء" أميركية متعاقبة، كان الثمن نظير هذه المشاكسة هو التعرض لضغط مالي خشي معه أن يتسبب في قلاقل في بلده. وعلى النقيض من كثير من محاوريه الغربيين، يقدر خامنئي أن نظامه يستند إلى أسس مهزوزة، وأن شرعية الثورة الإسلامية قد صودرت منذ وقت بعيد. ولعل المهمة موضوع البحث راهناً تكمن في إيجاد طريقة للمضي قدماً ببرنامج نووي، في حين يتم الحفاظ على النظام وأساطيره الأيديولوجية.
بطرق عديدة، يشكل التوصل إلى اتفاقية نووية الجواب على عديد المآزق التي يواجهها  خامنئي. ومع ذلك، يجب أن تكون أي اتفاقية نووية بالنسبة للزعيم متاحة تكنولوجياً ولفترة زمنية محدودة. ومنذ اكتشاف أمر البرنامج النووي غير المشروع لإيران في العام 2002، ظل دبلوماسيوها المنضبطون يصرون على وجوب أن يستند أي اتفاق إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، والتي تمنح إيران، حسب رأيهم وقولهم، الحق في إنشاء بنية تحتية نووية كبيرة. وفي مقابل هذا "الحق"، سيكونون راغبين في التنازل والسماح بنظام تفتيش في إطار الحدود النافذة لمعاهدة عدم الانتشار النووي. ولكثير من الوقت، دحضت القوى الكبرى هذه الافتراضات المسبقة التي طرحتها دولة ما تزال تخضع لحظر فرضته قرارات عديدة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، والتي وتنكر على الوكالة الدولية للطاقة النووية الوصول المناسب لمرافقها وعلمائها.
فيما ظل خامنئي صامداً بقوة، أصبحت القوى الكبرى أضعف موقفاً. ومع دخول خطة العمل المشتركة حيز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2013، بدأت حظوظ طهران في التغير. فقد سمحت واشنطن لإيران بالتخصيب في الوطن، ووافقت على تصنيع قدرة التخصيب في نهاية المطاف. وشهدت المفاوضات الماراثونية منذئذٍ إيران وهي تحاول تخفيف القيود المتبقية، بينما كانت الولايات المتحدة تحاول جبر خطوطها الحمراء المكسورة. وبالنسبة لخامنئي، فإن أهم تنازل كسبه مفاوضوه هو المادة المتعلقة بغروب الشمس. وعند انتهاء صلاحية معظم هذه المادة، فلن تكون هناك أي حدود قانونية على الطموحات النووية لإيران. وإذا أرادت الجمهورية الإسلامية بناء مئات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المطورة، وبناء العديد من مفاعلات الماء الثقيل، ونثر منشآت التخصيب على جبالها، فلن تستطيع القوى الغربية مراجعتها في ذلك. ومتى ما اجتازت إيران عتبة المكانة النووية، فإنه لن يكون هناك نظام للتحقق، والذي يضمن إمكانية تحري وجود قنبلة. ولدى الدولة النووية الصناعية ذلك الحجم الكبير الهائل من الموارد الذرية، والعديد جداً من العلماء، بحيث لا يمكن وضع قيود عليهم على نحو موثوق.
بينما يحث خامنئي الخطى في اتجاه التوصل إلى اتفاق يضعه في موقف نووي يحسد عليه، فإنه يستطيع أيضاً ضمان أن لا تُقابل انتهاكاته التقنية لالتزاماته بمعارضة حازمة. ومتى ما تم التوصل إلى صفقة، فستتبخر معظم العقوبات الأساسية المفروضة على إيران. ومن غير المرجح أن يعمد الأوروبيون، والأقل منهم بكثير الصين وروسيا، إلى الموافة على إعادة تجديد العقوبات إذا تم ضبط إيران وهي تغش. وفيما يتعلق باستخدام القوة، فإن الولايات المتحدة كانت قد فاوضت على السيطرة على الأسلحة النووية لخمسة عقود على الأقل، ولم تستخدم القوة لمعاقبة أي دولة لأنها انتهكت التزاماتها بموجب المعاهدة. وكما يظهر رد الفعل على الانتهاكات الذرية لكوريا الشمالية، فإن المجتمع الدولي يتعامل بشكل نمطي مع هذه الخروقات من خلال وساطة غير منتهية. ومتى تم التوصل إلى توقيع اتفاقية مع إيران، فإن العديد جداً من الدول تصبح منشغلة في تكريسها مشروعها بنشوة.
تدين إنجازات إيران اليوم بالفضل إلى عبقرية رجل دين متواضع من المستوى المتوسط. وفي منطقة شهدت انهيار العديد من الأنظمة الدكتاتورية، ما تزال الجمهورية الإسلامية مستمرة. ويمسك خامنئي بمفاصل قيادة الدولة الأكثر خطورة، من الخليج العربي إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط. وقد دخل المفاوضات روتينياً بموقف هو الأضعف، وخرج وهو يتمتع بالموقف الأقوى. الله أكبر حقاً.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 The Strategic Genius of Iran’s Supreme Leader

[email protected]

abdrahamanalhuseini@