العجز عن اكتشاف العجلة!

"ما حاورت عالما الا وغلبته وما جادلت جاهلا الا وغلبني".. مقولة خالدة للإمام علي بن أبي طالب، لم ينته مفعولها حتى اليوم رغم مرور 1400 سنة على قولها! والجاهل قد يكون "عالما" يحمل شهادة جامعية وربما دكتوراة، فيما العالم قد يكون بلا شهادة او تعليم.اضافة اعلان
فالقضية -كما اعتقد- في منهج التفكير، وتجلياته في الحوار والتحليل والتعبير، وليست في حفظ بطون الكتب او القراءة والدراسة التي تبني كما من المعلومات، ولا تبني رؤية نقدية للحياة والاشياء والمسلمات، ولا تبني منهجا علميا يمكن ان تسحبه من مجال الطب، الذي تدرسه وتتخصص به، الى مجالات الحياة المختلفة.
قد تتطور في الطب والهندسة، لكن نموك العقلي والعاطفي والاجتماعي والانساني، يقف ويتمترس عند مرحلة ما من عمرك، فتكون جاهلا، هكذا ببساطة! قد تكون طبيبا او مهندسا او مدرسا جامعيا، لكنك تعتقد بالحجب وبالسحر وبقدرة السحر وبعض الخرافات الغيبية، التي لا علاقة لها حتى بالدين، على نقل الفيروسات والميكروبات الى جسد الانسان، فتمرضه وتشله، او تذهب عقله، او تمسه بالجنون.
ليست القصة القدرة على القراءة او التعلم في المدارس والجامعات، ولا في تقدمك مهنيا ووظيفيا واقتصاديا، القضية هنا ودائما، في قدرتك على التفكير، وانفتاح عقلك وانسانيتك على العالم بما وسع، وعلى اعماق الحياة بما هي عليه من تعقيدات وتنوعات ورحابة. هي في منهج التفكير، الذي يحترم ويستغل ما وهبه الله للانسان داخل رأسه، هي في القدرة على النقاش الحر والعلمي، والمنفتح انسانيا، لان الانغلاق إنسانيا لا بد أن يصب بتعصبه لفكرة أو معتقد أو عادة بالتطرف، ليس التطرف الديني فقط، بل التطرف بكل أشكاله وتبريراته العقدية والسياسية والاجتماعية.
هل نعيد اكتشاف العجلة؟! نعم، فثمة حاجة ماسة لدى أغلبنا وسوادنا، عربا ومسلمين، لاكتشاف مثل هذه العجلة، المشكل الرئيس، كما أزعم ويزعم غيري كثيرون، في منهج التفكير، والحوار، والنظرة لما حبانا به الله من عقل وقدرة على التفكير والتحليل، لكنها نعم تضيع وتتلاشى في معمعان التعصب لفكرة أو موقف، وهي تضيع بصورة رئيسة، لأننا قدمنا، كثقافة عربية وإسلامية، النقل على العقل. قدمنا فهم غيرنا، ممن يسمون "علماء وفقهاء ونخب" عبر قرون، على استخدام عقولنا وجهودنا وتفكيرنا. وليست المشكلة فيما قدموه أو ما لم يقدموه، المشكلة في أننا اعتبرنا ما قدموه هو نهاية العلم واستخدام العقل والاجتهاد، بل ونهاية التاريخ!
لم تعد القضية مقتصرة على الجمود في العلوم الدينية والتراثية، بل انسحب الأمر على جمود العقل، وبات منهج التفكير يركن إلى الجمود والدعة، فالحقيقة أنجزت واكتملت، ولم يعد من داع لاستغلال العقل والعلم والتأمل في كل شيء.
إن رأيت الرجل يقول نحن وهم، المسلمون وغير المسلمين، أو يقول إن الشعب الفلاني أو العلاني حاقد أو غبي او منحل أو مؤمن، أو يقول ان القوميين والعلمانيين فاسقون ومنحلون وعملاء وضد الدين، أو يقول إن الاسلاميين -المتحزبين- جهلة ومتطرفون وعملاء لهذا أو ذاك، فاعلم أنك تتحدث مع جاهل، حتى لو حمل شهادة الدكتوراة، أو كان "عالما" في قومه، وهو بلا شك سيغلبك في الجدال، كما قال الإمام علي قبل 1400 سنة!