العدوان الثلاثي وسؤال الاستراتيجية الأميركية

انتهى العدوان الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي على سورية زوبعة في فنجان، من دون أن يترك على أرض الأزمة السورية الممتدة منذ سبع سنوات تغييرا استراتيجيا، ليس لأن الولايات المتحدة لا تريد مثل هذا التغيير، بل لأن أوراق اللعبة ليست كلها في يدي أميركا وحلفائها، في ظل تركز أغلب أوراق اللعب اليوم في الأيدي الروسية وأيدي حليفتها الدولة السورية على الأرض.اضافة اعلان
كما كان الوضع قبل الاعتداء الثلاثي الأخير على سورية، يستمر الجدل اليوم حول إن كانت الولايات المتحدة وإدارة ترامب تمتلكان حقا استراتيجية واضحة في سورية، ليخلص العديد من المحللين إلى غياب مثل هذه الاستراتيجية، بينما يندفع الدب الروسي ضمن استراتيجية ورؤية واضحة وحاسمة مع حليفته الحكومة السورية لاستعادة كامل الأرض السورية إلى حضن الدولة، والقضاء على التنظيمات المسلحة إما عسكريا أو احتواء كاملا.
ولا أعتقد أن من الحصافة القول إن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية للتعامل مع الأزمة السورية، ففي ذلك تقليل من شأن دولة عظمى وضعت يدها منذ اليوم الأول في هذه الأزمة، وقامرت طويلا بضخ السلاح والمال والرجال، حتى لو لم يكونوا أميركيين، وبالدعم السياسي والمخابراتي وبالضربات الجوية، لتكون لها الكلمة الأولى في الأزمة السورية، تدميرا وتقسيما وفوضى، وسعيا لقطع علاقة سورية بإيران وبالمقاومة اللبنانية، قبل أن تنقلب المعادلة رأسا على عقب بالتدخل الروسي الكاسح، في الأجواء وعلى الأرض.
ليس صحيحا أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية تجاه سورية اليوم، لكن الصحيح أكثر أن أوراق اللعب الرئيسية باتت اليوم في أيدي روسيا، ومحددات القوة ومعطيات القدرة على استخدام كل القوة الكامنة لدى أميركا ليست مفتوحة كما تعتقد بعض التحليلات السطحية.
أرى أن الاستراتيجية الأميركية في سورية تنطلق من التسليم أساسا بالحقائق الماثلة على الأرض، وبعدم القدرة، لأسباب موضوعية وذاتية عديدة، على منافسة الروس بالأدوات والخيارات ذاتهما، بينما تبقى أهداف هذه الاستراتيجية الأميركية محصورة اليوم في محاولة إطالة أمد الحرب والفوضى في سورية قدر الإمكان، مع النأي بالنفس عن التورط المباشر على الأرض بالمستنقع السوري، في وقت تحشد فيه أميركا كل ما يتوفر لها من علاقات وإمكانات متاحة لمحاولة قطع التواصل الإيراني عبر العراق وسورية إلى لبنان، وأيضا الحد من قدرة تشكل تهديدات سورية وإيرانية حقيقية ضد إسرائيل، سواء في سورية أو لبنان.
هدف إطالة أمد الحرب بسورية، يظهر بوضوح أميركيا كلما حقق الجيش السوري وبدعم روسي حسما على الأرض ضد التنظيمات المسلحة، كما حصل في حلب وفي غوطة دمشق، وكما يتوقع أن يحصل على المنوال ذاته في درعا بمعركتها المقبلة، فالمطلوب أميركيا أن يبقى الاستنزاف مفتوحا لسورية وحلفائها، باستخدام كل الذرائع والسياسات والتحركات.
ربما كان الطرف الأكثر قلقا من اكتفاء الولايات المتحدة بهذا السقف لاستراتيجيتها بسورية هو الطرف الإسرائيلي، الذي لا يخفي قادته عدم رضاهم عن مثل هذا السقف؛ حيث يدفعون باتجاه دور أميركي مباشر في سورية وباتجاه انخراط عسكري أوسع حتى لو هدد ذلك بصدام مع روسيا وإشعال المنطقة، بل وقد لا تتردد إسرائيل بالسعي الى إشعال المنطقة من جديد، تحقيقا لأهدافها العدوانية المعلنة والواضحة.
المرحلة المقبلة مما تبقى من عمر الأزمة السورية، يتوقع لها أن تشهد تصعيدات وتأزيمات على غرار أزمة "الكيماوي" المفترض بالغوطة، وربما إعادة الكرة بالاعتداء مجددا على سورية بعمليات جوية محدودة، لكن الخلاصة الماثلة على الأرض اليوم، هي أن الدولة السورية في طريقها، وبدعم روسي غير محدود، لاستعادة ما تبقى من مناطق وأراض.