العراق في عهدة الفشل

فشل البرلمان العراقي، أمس، في تأمين النصاب الكافي لمواصلة جلسته الافتتاحية، في وقت تغرق فيه بالبلاد في حالة فوضى، ويسيطر تنظيم "داعش" الذي أعلن نفسه "دولة الخلافة"، على أجزاء واسعة من البلاد.اضافة اعلان
البرلمان سينعقد مجددا الأسبوع المقبل، في محاولة للاتفاق على تسمية رؤساء جدد للدولة والحكومة والبرلمان.
المواقع الرئيسة الثلاثة تخضع لنظام المحاصصة. لكن هذا النظام على سيئاته، لم يعد قادرا على تحقيق التوافق المطلوب، بسبب التطورات الخطيرة التي يشهدها العراق منذ أشهر.
ما عجز برلمان العراق عن تحقيقه، تمكن مجلس شورى تنظيم "داعش" المتطرف من إنجازه؛ عقد اجتماعا في الموصل، واختار زعيما ليس للعراق فحسب، بل للعالم الإسلامي كله، وطالب شعوبه كلها بمبايعة "الخليفة أبو بكر البغدادي"!
وسط حالة الفشل على المسار السياسي، تراوح خيارات العملية العسكرية مكانها. حكومة نوري المالكي استعانت بروسيا لتسريع إرسال طائرات "سوخوي" المستعملة لزجها في المواجهة، أملا في تحقيق نصر مؤثر في الميدان. أما الولايات المتحدة الأميركية التي سيرت قبل عقد من الزمن نحو مليون جندي لاحتلال العراق، وتخليصه من شرور الدكتاتورية والإرهاب كما كانت تدعي، فتبخل عليه اليوم ببضعة مئات من الجنود، لمواجهة ما يمكن وصفه حقا بالجماعات الإرهابية، وتساوم إيران على صفقة قد تؤدي، في نهاية المطاف، إلى تقسيم العراق إلى كانتونات طائفية.
لم تبدأ رحلة العراق مع الفشل بالمالكي و"داعش"، بل أبكر من ذلك بكثير. فمنذ اليوم الذي اجتاحت فيه قوات الاحتلال الأميركي أرض العراق، دخل أحد أغنى بلدان المنطقة رحلة مع المجهول. وربما قبل ذلك التاريخ أيضا؛ مغامرة صدام حسين في الكويت، ومن قبلها الحرب مع إيران، محطات لا تنفصل عن بعضها بعضا.
قد تفلح مكونات العملية السياسية في العراق، ولو بعد حين، في التوافق على هوية الرؤساء الثلاثة. لكن على الأرض، لا يعني مثل هذا الاتفاق أي شيء. لقد بدأت معالم التقسيم واضحة؛ كيان كردي يستعد للانفصال، و"دولة خلافة" في المناطق السنية. وإيران هناك في الجنوب تستعد لمعركة المصير في كربلاء، على حد وصف قيادي إيراني بارز.
أميركا ستجوب بطائرات بدون طيار سماء العراق، تقصف في كل الاتجاهات، وتحارب أشباحا على الأرض في معركة مفتوحة لانهاية لها، كما هي الحال في اليمن وأفغانستان.
وفي غمرة الصراع على العراق، لا يلتفت المتصارعون إلى ما يعانيه ملايين العراقيين اليوم؛ عشرات الآلاف من النازحين إلى كردستان، ومثلهم وأكثر تحت رحمة "داعش" المتجبر. وفي وقت قريب، ستستقبل دول جوار كالأردن قوافل جديدة من اللاجئين، مثلما كانت الحال بعد الغزو الأميركي.
يُجمع العالم كله على أن العراق أصبح مصدر تهديد للأمن في جميع البلدان، وهو كذلك بالفعل. لكن ماذا بوسع الدول المرعوبة أن تفعل، سوى انتظار عودة أبنائها إلى ديارهم محملين بالأحزمة الناسفة، وخبرة العمليات الانتحارية؟!
لقد استوطن الفشل في العراق، وها هو يتحول إلى دولة مصدرة للإرهاب، بعد أن كان على بعد خطوة من احتلال المرتبة الأولى على قائمة الدول المصدرة للنفط.